كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قلعة المرقب شاهد حي على عظمة الحضارة السورية

بقلم المؤرخ الدكتور محمود السيد- الإعلامي محمد عماد الدغلي- فينكس- خاص:

تشكل القلاع الأثرية السورية أحد أهم عوامل الجذب السياحي في العالم لما لها من قيمة أثرية وتاريخية وهندسية عمرانية، فضلاً عن كونها أحد أهم الشواهد التي توثق مقاومة الشعب السوري لكل الغزوات الخارجية التاريخية كالغزو الصليبي والمغولي.

تقع قلعة المرقب على الطرف الشرقي لمدينة بانياس الساحلية، وبنيت من حجارة بازلتية وكلسية ضخمة على مساحة تقدر بحوالي 60000م2، فوق قمة جبل بركاني يرتفع حوالي 370-400 متراً عن سطح البحر.

تتجسد أهمية القلعة في تحكمها بالطريق الساحلي القديم الواصل بين أنطاكية وطرابلس، أي الطريق الساحلي الذي يربط شمال سورية وآسيا الصغرى بالأراضي المقدسة في فلسطين العربية، فضلا عن تحكمها بالطرق الداخلية القديمة المؤدية إلى القدموس ومصياف.رسم جداري للعشاء الاخير في قلعة المرقب

ينسب تاريخ بناؤها إلى عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (789 - 809 م)، ثم أعيد بناؤها سنة 1062م على يد راشد الدين الإسماعيلي. احتلها الصليبيون سنة 1117م وحولوها إلى حامية عسكرية، وفي سنة 1186م سلموها إلى جماعة دينية صليبية محاربة عرفت باسم الإسبتارية، ثم استعادها السلطان المملوكي المنصور سيف الدين قلاوون سنة 1285؛ ثم تحولت القلعة إلى سجن بين القرنين 15 و16م، ثم تحولت إلى حامية عسكرية في العهد العثماني.

حملت القلعة أسماء عديدة، فقد سماها الإغريق "ماركابان وماركابوس"، وسماها الفرنجة "مارغانت ومارغاتوم"، في حين سماها العرب المرقب وتعني "الحارس أو المراقب".

تتألف قلعة المرقب من قلعتين؛ قلعة داخلية صغيرة مستطيلة الشكل؛ تقسم إلى قسمين قسم شمالي وقسم جنوبي؛ مساحة القسم الشمالي أكبر؛ ولا يوجد فيه أبنية ضخمة؛ باستثناء قصر عثماني مؤلف من طابقين؛ وكان مقرا للوالي. في حين كان القسم الجنوبي حصناً حربياً مخصصاً لإقامة الجنود، يضم ساحة مكشوفة فسيحة تشكل مركزاً يسهل الانتقال إلى جميع أنحاء القلعة الداخلية.

زودت القلعة الداخلية بحلقتين من الأسوار؛ ودعمت بقناة مائية لفصلها عن القلعة الخارجية وتأمين حماية إضافية. ويشكل برج الأمل أهم منشآتها وهو برج صليبي دائري يتصل بقاعات القلعة؛ وكان مقراً لقيادة الحامية للقلعة؛ كما توجد فيه أيضاً قاعة مربعة خصصت للحاكم وأرفقت بقاعة ديوان الحاكم.

وتتألف قلعة المرقب أيضاً من قلعة خارجية تضم الأبنية السكنية؛ دُعِم سورها بثماني عشر برج دفاعي؛ تختلف أشكالها حسب الموقع والوظيفة من مربع إلى دائري، وتبرز عن السور عدة أمتار؛ يعلوها البرج الرئيسي؛ مقر إقامة حامية القلعة وأهم أبنية القلعة؛ وقد زود بمرامي السهام والحجارة؛ وهو مكون من طابقين مع متراس دفاعي؛ علماً أن السور الخارجي قد أحيط بخندق عميق محفور في الطبقة الصخرية.

ويشكل البرج المربع الجنوبي وهو أضخم الأبراج، مدخل القلعة من الناحية الغربية، وزود بدرج حجري مائل وباب حديدي منزلق. وقد زود البرج بفتحات لرمي السهام والمواد الحارقة أثناء الدفاع عن القلعة، ويقود مدخل البرج إلى بهو كبير، سقف بعقد متصالب على ركائز موشورية على دعامات وَهْي سمة مميزة للعمارة الإسلامية.

ويلاحظ في البهو قوسان كبيران مفتوحان من الجهتين الجنوبية والشمالية، وقد زوّد بدرج يقود إلى القسم الشمالي للقلعة ويتصل البرج بالقلعة الداخلية بواسطة ممر ضيق، ثم نجد قاعة كبيرة زينت برسوم جدارية. كذلك يوجد برج قلاوون الشمالي؛ وهو برج مصفح بحجارة بازلتية كبيرة الحجم. ولدينا أيضاً برج المراقبة أو برج الصبي المربع الشكل والمؤلف من طابقين، بهدف مراقبة الطريق الساحلي وكمركز دفاعي، وقد عثر في أحد جدرانه على رسم جداري يصوّر سمكة بنية ضمن حوض ماء أزرق.

كما يوجد شرق القلعة باحة واسعة تضم مجموعة من الغرف والمستودعات. وكذلك توجد جنوب القلعة بقايا كنيسة وهي أكثر الأبنية ارتفاعاً بين الأبنية المحيطة بالساحة الرئيسية؛ تبلغ مساحتها 250م2؛ بنيت وفقاً للطراز المعماري القوطي؛ وقد زينت بعقود قوطية الطراز وتيجان كورنثية ينسب تاريخها إلى القرن الثاني عشر ميلادي وقد تحوّلت إلى مسجد في القرن الثالث عشر الميلادي. وأهم ما اكتشف فيها لوحة جدارية تمثل العشاء الأخير؛ تصوّر 12 شخصاً بينهم في الوسط صورة تجسد بولس الرسول.

خصص القسم الشمالي من القلعة لإقامة الأهالي وقد زودتنا قراءة أحد النقوش الكتابية العربية بإعادة ترميم القلعة في عهد السلطان قلاوون. كذلك تتألف القلعة من قاعة الفرسان وبناء عثماني وقاعة ملحقة بالكنيسة؛ وقاعة لخزانات مياه الشرب؛ وقاعة للضباط؛ ومخابز عثمانية؛ وخان عثماني؛ وبرج قلاوون الشمالي؛ وحمام الجانكي المملوكي.

تستحق الهندسة المعمارية السورية وما شيده مهندسوها من إرث ثقافي معماري عظيم منا كل احترام وتقدير وهي جزء مهم من الإنجازات العمرانية العالمية عبر مختلف العصور.