كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ما هي أصلح أشكال الحكم في العالم العربي برأي عبد الرحمن الشهبندر؟

د. عبد الله حنا- فينكس

أصدر الشهبندر عام 1936 في القاهرة كتاباً تحت عنوان: "القضايا الاجتماعية الكبرى في العالم العربي". أحد فصول الكتاب حمل عنوان: "ما هي أصلح أشكال الحكم في العالم العربي؟".
هذا الموضوع الشائك يعالجه الشهبندر في خمس صفحات من كتابه. وهو هنا يتعرض لمجتمعات عربية في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين لا تزال بُناها التحتية متخلفة. فهي إما تعيش في مرحلة البداوة، أو لم تطرق أبوابها الثورة الصناعية طرقاً عميقاً ولم تتغلغل المدنية الحديثة في تركيبتها الاجتماعية ما قبل الرأسمالية تغلغلاً يفسح المجال للإنطلاق والتطور والتحرر اعتماداً على التجربة الديمقراطية التي عرفها الغرب.
يقسم الشهبندر الأقطار العربية إلى قسمين:
- قسم خاضع للاستعمار مباشرة وهو يعيش مرحلة النضال ضد الاحتلال الأجنبي.
- وقسم مستقل يبحث الشهبندر عن أصلح أشكال الحكم له. ولأسباب كثيرة يرى الشهبندر "أننا في أقطارنا المستقلة (يقصد المملكة العربية السعودية واليمن) لفي أشد الحاجة إلى اليد الحازمة المدركة لتسير بنا إلى الأمام على رغم أهل الرجعة منّا".
وقد دفع تخلف البنى الاجتماعية وخضوع العامة لفقهائها الشهبندر وغيره من رواد النهضة إلى المناداة بضرورة حكم المستبد العادل. ولم يكن أمام الشهبندر وأقرانه من خيار ثالث. "فإما مستبد عادل يقود الشعب إلى الأمام، أو حكم "الغوغاء" غير المتحضرين". وهنا يختار الشهبندر الحل الأول ويسوق لنا مثالين: الأول: من شبه الجزيرة العربية. والثاني: من الدولة العثمانية.
وفيما يلي النصّان الحرفيان لمعالجة الشهبندر لهذه القضية الشائكة:
أولاً: حول شبه الجزيرة العربية كتب الشهبندر:
"…أنا أسأل في هذا المقام كل من عانى شؤون الإدارة والحكم أيرى لمملكة الحجاز ونجد مجلس نواب من الغطغط ومطير والفقير وحرب أم ملكاً حازماً خبيراً بشؤون البدو كعبد العزيز بن سعود، ألا تقضي الديموقراطية في تلك الأنحاء الابتدائية بتربع الغوغاء في دست الحكم وانهزام الاختبار والاخصاء والتمرين والحصافة انهزاماً شنيعاً لا يلوي على شيء؟
ثانياً: حول الدولة العثمانية والتجربة البرلمانية التي أعقبت ثورة جمعية الاتحاد والترقي على السلطان المستبد عبد الحميد، حيث قامت القوى الرجعية مستغلة الجهل المخيم من أجل قبر أي خطوة اجتماعية تقدمية مهما كانت صغيرة.كتب الشهبندر:
"إنني أذكر جيداً أننا لما كنا نعاني حشرجة الموت تحت كابوس السلطان عبد الحميد كنا نظن أن مجرد إعلان الدستور وإطلاق حرية الانتخاب وترك المنابر للخطباء يتكلمون كما يشاؤون ينعشنا ويعيدنا إلى مهيع الحياة، وفي شهر تموز –يوليو- من سنة 1908 أعلن هذا الدستور بقوة الجيش وبتأثير الأوهام التي تسلطت على السلطان فكان مبدأ انقلاب خطير في جميع بلدان الشرق المتوسط لما عقبه من الثورة في الأفكار والأوضاع، ولا أنكر أبداً أن بعض الانتخابات دلت على شيء من حسن الاختيار ولكنها أرسلت بالإجمال إلى مجلس النواب أناساً لا يختلفون عن العوام كثيراً، وأصعدت المنابر بعض الخطباء الذين حولوا قضية الدولة السياسية الخطيرة إلى البحث في الحجاب وشكل الغطاء الذي يجب أن يسدل على المرأة". (انتهى النقل عن الشهبندر)
ولا نريد هنا الدخول في موضوع الديموقراطية والانتخابات النيابية في مجتمعات لا تزال تعيش في أقسام واسعة منها في أجواء فكرية لم تصل مركباتها الى عصر الحداثة ابنة الثورة الصناعية وما تلاها واكتفت بالتحديث دون الحداثة. والتحديث لا يحتاج الى أجواء عقلانية تبدع الحضارة بل يكتفي بنقل منتجات الحضارة دون أن يفكر في انتاجها او آلية عملها. ولعل من المفيد المقارنة بين ما ذكره الشهبندر عن العالم العربي في الثلث الأول من القرن العشرين وبين الواقع العربي الراهن بربيعه وخريفه وما يليه من برودة الشتاء وجحيم حرارة الصيف.