كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

رباعيّات الخيّام والفسيفساء المتشظّية تداعيات أفكار وإنترنت

معن حيدر

في إحدى ليالي الشمال قارسة البرد، وبينما كنت أستمتع بصوت أم كلثوم الشجيّ وهي تشدو من ألحان السنباطي ومن شعر عمر الخيام، وقد ترجمه أحمد رامي فأجادص.
طربتُ وسرحتْ أفكاري بعيدا، ثمّ خطر ببالي أن أستزيد عن تلك الرباعيات، وكالعادة سألتُ غوغل، فقال لي:
1-الرباعيات قصيدة منسوبة للشاعر وعالم الفلك والرياضيات عمر الخيّام
والرباعية مقطوعة شعرية من أربعة أبيات تدور حول موضوع معين. تتناول أفكارا فلسفية صوفية، عن: الحياة والموت والحب والجمال والحكمة والفلسفة.
2-تُرجمتْ إلى معظم لغات العالم الحيّة، ومنها العربية والكردية والأرمنية والسريانية.
+أوّل ترجمة لها كانت إلى الإنجليزية للكاتب إدوارد فيتسجيرالد، وهي التي أعطتها شهرتها، من خلاله عرفها الأوروبيون قبل العرب، ولعبتْ دورًا كبيراً في الاستشراق.
+يُقال إنّ ترجمة الشاعر وديع البستاني، هي أول ترجمة للرباعيات إلى العربية
وإنّ أشهرها، هي ترجمات: أحمد الصافي النجفي وجميل صدقي الزهاوي وأحمد رامي.
+آخر ترجمة لرباعيّات الخيّام إلى اللغة الأرمنيّة أنجزها الأديب والباحث الموسوعي الدكتور آزاد ماتيان.
+وآخر ترجمة إلى اللغة الكردية أنجزها جلال حسين محمد زنكابادي، وهو كاتب وقاص ومترجم كردي عراقي (1951-2003).
+أوّل ترجمة إلى اللغة السريانية قام بها نعوم فائق.
-كنتُ حضرتُ أمسية ثقافية في النادي الآشوري باسكلستونا، تحدّث فيها الباحث غبرييل دنحو عن نعوم فائق (1868 – 1930)، الذي يعتبر أب الأدب السرياني الحديث، وهو أديب وشاعر وكاتب وباحث ولغوي وصحفي، سافر في عام 1912 إلى أمريكا، حيث وافته المنية هناك سنة 1930. وضع كتباً كثيرة، وأنشأ جريدة "كوكب الشرق" بالسريانية والعربية والتركية في ديار بكر، ثم جريدة "ما بين النهرين" في أمريكا باللغات الثلاث أيضاً.
+وعن الأدب السرياني، صادفتُ في أحد المواقع كتاب "أضواء على أدبنا السرياني الحديث" للشماس أوكين برصوم، يسلّط فيه الضوء على العديد من الأدباء السريان في العصر الحديث، ومنهم عبد المسيح القره باشي (1903 – 1983) الذي ترجم أيضا رباعيات الخيام إلى السريانية.
+وأنا مستغرق في البحث أخذني غوغل بطريقه لأقرأ نصا للشاعر أحمد الخاني (1650- 1707) وهو من أشهر الأدباء الأكراد:
أيها العاشق الذي أفقدَهُ الشوق صبره وقراره...
يبدو أنّك مثلي فيما أقاسيه من ألم واحتراق...
إذن فقم من مكانك هذا الذي سئمته إلى حيث تنتظرك عروسك....
قم فقد آن أن تذوق بعد هذا الذي عانيت نعيم الوصال....
قم...
فإن شمعتك مثلك في الانتظار...
تقاسي مثل ما تقاسيه جوانحك من نار الاصطبار.
حسبك مثلي ذوبا واحتراقا... وكفاك مثلي دموعا وتسكابا...
+ونصا آخر للشاعر الأرمني هوفانيس شيراز (1915-1984):
في أحلامي أحطّم بابي،
من هذا؟ سألتُ من الداخل بعض المسنِّين من الخارج
أجاب وقال: سأضحّي بنفسي من أجلك.
"لقد جئتُ لأطلب قطعة من الخبز مثل الصدقة
أنا امرأة يتيمة فقيرة لا أحد يدعمني".
عند هذه النقطة فتحتُ باب منزلي على الفور
فقط لإيجاد معجزة. كانت أمي المتوفاة بالفعل!
صدمتُ! لكن سقطّتُ في ذراعيها.
وقالت والدتي، "أنا أنا، أنا،
جئت لمحاولة لك والتحقق من أنت.
آمل أن الحياة لم تغير روحك وتغيّرك أنت أيضا؟!"
++أتاحتْ لي إقامتي في السويد التعرّف على أناس كُثر، يمثّلون شريحة كبيرة من الطيف البشري المتنوّع: عرقيا وجغرافيا وقبائليا وعشائريا ودينيا وطائفيا
الطيف الذي كنّا نُطلق عليه في سورية (الفسيفساء) ونتغنّى به.
هم من: السريان والأرمن والأكراد والكلدان والآشوريين والإيزيديين والشركس والشيشان والتركمان والداغستان...
تبيّن لي أنّني لا أعرف شيئا عن هذا الطيف، خاصة في المجال الثقافي والأدبي والفني،
لستُ وحدي الذي لا أعرف، بل كلّنا في سورية لا نعرف، لم ندرس في المدارس ولا بيت شعر واحد أو نص أدبي واحد لأي شاعر أو أديب يمثّل هذه الشريحة، ولم نقرأ عن فنان منهم، حتى في الأدب المهجري قرأنا أدباء المهجر كلّهم إلا نعوم فائق وأقرانه.
نعم.. هي فسيفساء ولكنها تشظّتْ أو كادتْ
تُرى: هل هو إقصاء أم إلغاء أم غباء
++وأعادتني إلى الواقع أم كلثوم وهي تصدح:
لا تشغل البال بماضي الزمان...
فقلتُ لها مهلّلا: عظمة على عظمة يا ست...
ولكنّ الماضي، يا ست، هو الذي يؤسس للحاضر والمستقبل؟