كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المخرج الوحيد

د. لمياء عاصي- فينكس:

ما يشهده العالم اليوم، من ارتفاع في معدلات التضخم وانعكاسات الحرب في أوكرانيا على أسعار الطاقة والمواد الغذائية والتوترات الجيوسياسية في كثير من المناطق، كل تلك العوامل تفاقم آثار الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سورية، وتدخل غالبية الناس دوامة من الفقر والعوز، في وقت تتسع فجوة الثقة بين الناس والحكومة أكثر، مدفوعة بوعود حكومية بانفراجات قريبة قادمة، أو بتصريحات مسؤولين عن احتياجات المواطن اليومية من الكالوريز والفيتامينات، ودروس حول تقليم الأشجار و الاهتمام بالمزروعات، ووصف شكوى الناس من فقدان الكهرباء والغاز ومتطلبات الحياة الأساسية، بـ"الغنيوة"، إشارة الى أنها أصبحت مكررة ومملة، الأمر الذي يعتبره المواطن فانتازيا حكومية فحواها البعد عن معاناة وهموم الناس.

ان عملية النهوض والتعافي الاقتصادي للخروج من هذا المأزق الاقتصادي الصعب، ليس عملية بديهية ولا سهلة، خصوصاً أنها متشابكة مع ظروف سياسية وأمنية إقليمية وعالمية، ولكن الشرط الأساسي هو تغيير الذهنية النمطية والتقليدية في مقاربة المشاكل، ولاسيما في إدارة الموارد الوطنية، وإعادة التفكير في المؤسسات المملوكة للدولة، وبناء التحالفات الاقتصادية الدولية بشكل يمكننا من تجاوز المعوقات الاقتصادية الأساسية.

تسيطر إدارة الملفات العاجلة وإيجاد حلول للمشاكل والأزمات اليومية، على معظم عمل الحكومات في العالم، ولكن في سورية وبالإضافة لما سبق، يلاحظ المتابع لعمل الحكومة، ثلاث ظواهر:

الأولى: غياب تام للخطط الاستراتيجية وطويلة المدى، واتباع سياسة "إطفاء الحرائق" بدلاً عنها، بمعنى إيجاد حلول للمشاكل الآنية، و كل يوم بيومه.

الثانية: اعتماد التجريب والسيناريوهات بدلاً من الارتكاز على دراسات و قواعد البيانات والدراسات، لذلك أتت معظم النتائج، موسومة "بالتخبط"، وتم التراجع عن كثير من الحلول "بعد الخراب"، والأمثلة كثيرة.

الثالثة: أكثر القرارات الحكومية الصادرة، لم تكن متوافقة مع "القواعد الاقتصادية"، ونستعرض هنا بعض الأمثلة من المواضيع التي عولجت مؤخراً:

المثال الأول: حافظت السياسة النقدية، على سعر منخفض للفائدة بغض النظر عن معدل التضخم في البلد، والنتيجة هي أن كثيراً من المقترضين استفادوا من سعر الليرة المنخفض والخاسر الوحيد هو الدولة وسعر الصرف، فالقروض وبدل أن تذهب لإنشاء مشاريع تنموية، استخدمت للمضاربة على سعر الليرة، وكان الحل آنذاك لإيقاف المضاربة على الليرة، هو إيقاف القروض بشكل كامل ولسنوات، بما أثر على التنمية وحقق مزيداً من الانخفاض في المستوى الحقيقي لدخل المواطنين.

المثال الثاني: رفع الدعم، وما اعتراه من أخطاء وتناقضات، بشكل عام، أسعار متعددة لمادة واحدة، هذا ما نتج عن دعم عن بعض السلع لشرائح من المواطنين ورفع الدعم عن شرائح أخرى، مثل البنزين، والمازوت والغاز والخبز وغير ذلك، ومعروف أن وجود سعرين لأي سلعة او مادة يفسح مجالاً للفساد والتربح غير المشروع، وهذا يفسر، وجود سوق سوداء لتلك السلع جعلت أسعارها رهن (العرض والطلب)، و قامت بالتهام أموال المواطنين والأموال العامة، لصالح المتاجرين بالسلع المدعومة، وكل حديث عن رقابة ومراقبين أثبت عدم قدرته وفشله الذريع في ضبط الأسواق.

للخروج من هذا الواقع الاقتصادي الخانق، تجد الحكومة اليوم نفسها بين المطرقة والسندان، مطرقة تأمين الموارد اللازمة لتحسين الواقع المعيشي للناس وسندان الظروف الاقتصادية والسياسية التي تشكل عاملاً أساسياً معيقاً لكل ما من شأنه إحداث نهوض اقتصادي ملموس.

الخطوات الأولى في طريق تحقيق التنمية، تحتاج الى تحديد مصادر تمويل كافية، لإنشاء بعض مشاريع البنية التحتية، غير مصادر الدخل التقليدية في الموازنة العامة، التي تتكون من الواردات الضريبية وفوائض المؤسسات العامة المملوكة للدولة وغيرها من الايرادات المختلفة.

بشكل عام، تأتي مصادر التمويل الأساسية، إما من القروض الخارجية أو الداخلية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبما أن الظروف السياسية المحيطة تتحكم في القروض الخارجية، بالإضافة الى أنها سياسة غير متبعة في سورية، لما لها من مخاطر لاحقة من قبل الدائبين يتمثل بالتحكم بالقرار الاقتصادي وآثاره على القرار السياسي والوطني، لم يعد أمام متخذ القرار سوى اللجوء الى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبما أنها أيضاً تخضع لمجموعة شروط أهمها الاستقرار السياسي والاقتصادي، فإن اللجوء الى المغتربين السوريين قد يكون المخرج المهم، ولكنهم بالتأكيد يحتاجون الى بيئة استثمار تضمن أموالهم واستثماراتهم، لذلك وفي رحلة البحث عن بدائل لمصادر التمويل، لا بد من طرح بعض الأسئلة:

  • هل هناك نية لتغيير الذهنية الفردية، في رسم السياسة الاقتصادية أو المالية أو النقدية، والاتجاه الى آلية جديدة أساسها المشاركة الجماعية في عملية صنع القرار؟
  • هل تمت إعادة هيكلة ملكيات الدولة، وإعادة النظر في تحويل تلك الملكيات الى شركات مساهمة، كما جاء في قانون التجارة 29 لعام 2011، المادة 216؟
  • هل تم العمل على وثيقة معلنة، تحدد معايير مشاركة الدولة في الأنشطة الاقتصادية، لضمان عدم منافسة الدولة للقطاع الخاص.

التفكير جدياً بالإجابة على الأسئلة السابقة، يجعلنا نتمكن من اجتذاب الاستثمارات الخارجية والبدء بالنهوض والتعافي الاقتصادي، ولأننا ندور في فلك الطرق النمطية والاختيارات السهلة، قد يكون طريقنا طويلاً وشائكاً.