كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

برنامج "الذاكرة السورية".. هل هو كذلك؟

فينكس

تعرض إحدى فضائيات المعارضة برنامجاً سياسياً (واجتماعيا وثقافياً ان جاز القول) بعنوان "الذاكرة السورية"، يعده ويقدمه الصحفي السوري المخضرم شعبان عبود.

يلتقي البرنامج بشخصيات سورية لبعضها صفات اعتبارية من قبيل الحقوقي والمعارض هيثم المالح والحقوقي نجاتي طيارة، وكان لبعضها الآخر دوره في التاريخ السوري وإن بحدود متفاوتة مثل نصر فرج (المسؤول الأمني منذ عام 1963 حتى 1966) والمسؤول البعثي (الأمين الأسبق لفرع حزب البعث بدمشق) ناصر سابا.. الخ، وبعضها الآخر قد يكون ابناً لشخصيات هامة في التاريخ السوري من قبيل إحسان الشيشكلي نجل الرئيس السوري الراحل أديب الشيشكلي، والمثقف سعد فنصة.. الخ.

قبل الحديث عن البرنامج، بعض ماله وما عليه، نشير أن فكرته تذكرنا بكتب سوريّة عدة، صدرت في العقد الأول من القرن الحالي، واهتمت بإعادة الاعتبار إلى تاريخ "المجهولين" و"المهمشين" و"المنسيين" من قبيل كتاب الدكتور عبد الله حنا "الحركة الشيوعية السورية: الصعود والهبوط"، ورواية عادل محمود "إلى الأبد ويوم" وكتاب صقر أبو فخر "سورية وحطام المراكب المبعثرة".. الخ، نسوق ذلك بمنأى عن حجم الأدوار التي لعبها أولئك "المنسيون"، آخذين بعين الاعتبار إن البشر المتفاعلون مع مجتمعهم هو حملة التاريخ ومادته، بهذا المعنى إن التاريخ لايصنعه شخص بمفرده.

في جميع الحلقات التي تابعتها عبر اليوتيوب، والتي يعود عرضها لسنوات متفاوتة ضمن فترة زمنية حدودها الأربع سنوات وربما أقل، ويتجاوز عددها الأربعين حلقة لنحو عشرين شخصية سوريّة، لاحظت أن معظم من التقاهم الصحفي عبود يلتزمون آداب الحوار، فلا يوجد بينهم من استخدم أي لفظة نابية ضد أي كان حتى لو كان الذي يتحدث عنه الضيف خصمه اللدود! وهذا لاينفي وجود بعض الشخصيات التي قد تتجنى على التاريخ محاولة تزوير الواقع لاسيما عندما تزعم أن النظام في سوريا طائفي! وعموماً هؤلاء قلّة..

غالبية من التقاهم البرنامج، من السياسيين، نفوا المقولة الرائجة لبعض معارضي الخارج والتي يمكن اختزالها بجملة "بيع الجولان"، كما أكدوا أن خسارته (الجولان) هي مسؤولية جماعية للسلطة الحاكمة سنتذاك ولاتقع على مسؤول دون آخر (يقيننا الشخصي أن مسؤولية خسارة الجولان في حرب الأيام الستة هي أبعد من السلطة التي كانت قائمة سنة خسارته، وهي خسارة مرتبطة بالهدف العميق من الحرب وأبعادها التي تدخل في لعبة الأمم).

معظم الضيوف لاينسبون لأنفسهم أحداثاً مختلقة، ولايزعمون أن أدوارهم كانت رئيسية في حركة التاريخ السوري، ولايحاولون تقديم أنفسهم بصورة "البطل الفرد" بل -كما يستشف من أحاديثهم- يروون ماكانوا شهوداً عليه أو ما سمعوه، عن المراحل التي عاصروها دون مبالغة من قبلهم أو تجن كما يُستشف من أحاديثهم.

لا يلحظ المتابع لحديث الضيوف وجود صفة الحقد في الحوار، سواء من قبل الصحفي أو الضيف، ومعروف أن الحقد كفيل بنسف صفة الموضوعية عن أي عمل.

قبالة ذلك نجد أن اسم البرنامج غير موضوعي، فتسميته لنفسه "الذاكرة السورية" يشي بأنه هو فقط الذاكرة السورية، وكان الأكثر صواباً أن يطلق على نفسه "من الذاكرة السورية".

وفي سياق التحفّظ على عنوان البرنامج، يُقترض أن يستضيف البرنامج ضيوفاً من موالي النظام السوري، كي يقولوا بدورهم رواياتهم حتى يمكن القول عنه "الذاكرة السورية"، أسوق ذلك مع يقيني شبه القطعي بأن إدارة المحطة من جهة وبعض النظام السوري من جهة سيرفضون فكرة استضافة موالين للنظام ولكل اعتباراته التي يمكن الردّ عليها.

ثمة أخطاء يقع فيها البرنامج عند ذكره لشخصية سورية من التاريخ الحديث، إذ يتم عرض صورة ليست للشخصية المذكورة، وهذه الأخطاء تكررت كثيراً.

ينسى الضيف أحياناً اسم شخص يريد الاستشهاد به، وباعتبار أن البرنامج مسجل يمكن تدارك الأمر من خلال ذكر اسم الشخص المقصود كتابة من خلال الاستعانة بذاكرة الضيف لاحقاً بعد الانتهاء من تسجيل الحلقة.

ختام القول: البرنامج غني، وموضوعي إلى حد بعيد، ويسدّ فراغاً في البرامج السياسية التاريخية المتعلقة بوطننا، وينطوي على معلومات تهم المعنيين بالتاريخ السوري الحديث، إذ هو أقرب إلى شهادات يقوم الضيوف بإدلائها، وتبقى مصداقية هذه الشهادة أو تلك على عهدة الضيف القائل بها.