كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

علقت يا عرب فكّت يا عرب

صفوان زين- فينكس

في الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت أخبار الانقلابات ومحاولات الانقلاب المتتالية تصلنا عن طريق الإذاعة حصراً، وكان المرحوم والدي يتحكم بجهاز الراديو الوحيد الذي نملكه ويحتكره لنفسه في غرفة نومه، وذلك قبل أن يدخل التلفزيون الى بيتنا ويكسر للوالد هذا الاحتكار الظالم.
غير أن الوالد والحق يقال لم يحرمنا من الاطلاع على ما يذيعه الراديو من أخبار الانقلابات ومحاولات الانقلاب على وفرتها، إنما عن طريقه حصراً بوصفه ناقلاً أميناً للخبر كما كان يرى نفسَه (وكما أشهد له)، إذ كان يتنقل كالمكّوك ذهاباً وإياباً بين غرفة نومه وغرفة جلوسنا وذلك مع توالي صدور البلاغات الانقلابية بدءاً من البلاغ رقم واحد وحتى اكتمال نجاح العملية الانقلابية أو انتهائها بالفشل.
هو في غرفة نومه مع شريك غرفته الراديو ونحن في غرفة الجلوس مع شريكة حياته والدتنا نترقب بقلق وتوتر طلّة السيد الوالد كي ينقل الينا آخر اخبار الانقلاب وتطوراته اللاحقة بجملة واحدة من كلمتين فقط هما 'علقت يا عرب' عند اذاعة البلاغ رقم ١ المعلِن عن حصول الانقلاب و'فكّت يا عرب' عند اذاعة البلاغ الأخير المعلِن عن اكتمال نجاح الانقلاب أو فشله.
المشكلة عندما تتعثر العملية الانقلابية ويطول أمدها، وتتكرر بالتالي اذاعة البلاغات العسكرية مثلما حصل في انقلاب الانفصال في ٢٨ ايلول ١٩٦١ إذ بعد أن صدر عن الانقلابيين سلسلة من البلاغات من الرقم ١ الى الرقم ٨ تعلن عن الانفصال والتطورات اللاحقة حصلت مفاجأة غير متوقعة عندما أعلن الانفصاليون في البلاغ رقم ٩ تراجعهم عن الانفصال حرصاً على الوحدة واستمرارها، غير أنهم سرعان ما تراجعوا عن تراجعهم في بلاغ لاحق حمل الرقم ١٠ ليؤكّدوا نهائياً على الانفصال بين البلدين، ولكي يأتي الوالد إلينا صارخاً بصوتٍ عالٍ 'فكّت الوحدة يا عرب'، وكان فكاكاً بلا عودة!