كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن "الحريّة" في القاموس الأميركي والأطلسي

فارس بدر- فينكس:

—"الحريّة" في القاموس الأميركي والأطلسي، تعني حريّة الهيمنة والتسلّط على موارد الأمم والشعوب وحريّة النهب لمواردها وثرواتها.
لعلّ أهم ما يتباهى به الغرب من إنجازات هو تقديسه للحرية، أكانت بمفهومها الفردي من حرية الفكر والقول والإيمان والنشر والتنقل والمعتقد أو بمفهومها الاجتماعي من حق التجمع والتظاهر والاعتراض والتنظيم والانخراط في الأطر الحزبية والنقابية وسوى ذلك من حقوق كفلتها الدساتير في مقدماتها وشرعة حقوق الانسان على صفحاتها وقوانين الأمم المتحدة في أنظمتها وتشريعاتها.
هي الحريّة!
باسمها ثارت الشعوب وسالت الدماء، وتحت لوائها انعقدت العزائم فتهاوت العروش وسقطت الديكتاتوريات، ومن أجلها اندلعت الحروب وأزهقت الأرواح، وتكريماً لها ارتفعت التماثيل في الساحات العامة وعلى شواطئ المحيطات حتى غدت الحريّة صنماً ملازماً للغرب تكال له المدائح وأمام هيكله تقام مراسم العبادة.
هي الحريّة! من روما وأثينا إلى كافة امبراطوريات العالم القديم، من الفتوحات الاسلامية إلى الحروب الصليبية وصولاً إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، كانت الحرية ملازمة للسيوف والخيول، للمدافع والأساطيل وهي كما كانت ولا تزال في حرب الخليج الأولى والثانية ملازمة لأكثر أشكال التكنولوجية العسكرية تقدماً وفتكاً.
هي الحريّة!
تحت أعلامها كانت “الاكتشافات البحرية” حيث تم التوسع والاستيطان في أراضٍ جديدة ،ومن أجل نشرها، دُمّرت ثقافات واغتُصبت أملاك وضاعت حقوق وصودرت حريات، ولا زالت عيوننا حتى اليوم شواهد حيّة على عمليات نهب الثروات واحتلال الأراضي (فلسطين) وإقامة القواعد العسكرية (العراق والشام)، وما يرافق ذلك من عمليات تهجير واقتلاع واستيطان وتوسّع.. حتى غدا العالم الحرّ وحشاً ينهش في جسد ضحاياه وغدت الحرية ثوباً يرتديه الغرب ليمارس فيه رقصة الموت أمام جمهور تكبّله السلاسل والقيود بحثاً عن حرية موعودة.
وهكذا يعيش "العالم الحرّ" حاملاً في أحشائه جنين نقيضه، فالحرية في خياراته عبودية للآخرين!
- حيث يتحوّل الانتشار العسكري لأساطيله وقطعه الحربية انتهاكاً لسيادات الدول ومياهها الإقليمية وأمنها القومي.
- وحيث تتحوّل أقماره الصناعية وبرامجه الفضائية تعدياً صارخاً على مقومات الأمن الفردي والجماعي.
- وحيث تتحوّل احتياجاته للطاقة إلى عمليات قرصنة فاضحة لمنتجيها ومالكيها.
- وحيث تتحوّل حاجته للمواد الخام لصناعاته، إلى سيطرة مكشوفة على مصادرها ومنابعها وطرق إمدادها تحت شعار حرية التجارة والمواصلات.
كل ذلك يندرج في إطار "عولمة" الاقتصاد والسياسة والثقافة حيث تتهاوى الحدود، فتنتهي الحروب الباردة ويسقط جدار برلين ويذوب المعسكر الاشتراكي وترتفع رايات الدفاع عن الحرية مجدداً تحت شعارات مكافحة "الإرهاب" و"الأصولية" و"الإسلام" بعد أن انكفأت رايات "المنجل والمطرقة" الحمراء أمام قطار الرأسمالية الزاحف زهواً ونشوة وانتصاراً...
كل هذه الطبول القارعة احتفاء بالحرية، تختار الصمت عندما يتعلق الأمر بعالمنا العربي.
- فحريتنا في الخيار انتخاباً مدانة لأن صناديق الانتخابات اقترعت لحركة حماس.
- مجالسنا التشريعية مشكوك بتمثيلها لأنها اقترعت لحزب الله شريكاً في السلطة.
- خيارنا في الحرية والديمقراطية والوحدة ورفض الإحتلال، مرفوض لأنه يشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي وبالتالي للأمن الإقليمي.
- حريتنا في الرقابة على مواردنا الأولية – نفطاً أو سوى ذلك من موارد طبيعية – يشكل تهديداً لعجلة الاقتصاد العالمي.
- حريتنا وحقنا في مراقبة مياهنا الاقليمية وشواطئنا ومضائقنا يشكل انتهاكاً للمواصلات البحرية وحركة التنقل والمواصلات.
- حرية البحث عن قواسم مشتركة ومصالح مشتركة لبلداننا، في الاقتصاد والأمن والتربية والتعليم والبحث العلمي تشكل تهديداً للنظام الاقليمي المبني على التصدّع والتصادم والفرقة.
- حرية النهوض بقطاعاتنا الاقتصادية والانتاجية تصطدم بمصالح النظام المركنتيلي القائم على استيراد السلع والخدمات.
وليس أخيراً حريتنا في اختيار الوحدة بديلاً للتجزئة والاستقلال الاقتصادي، بديلاً للتبعية، والاستقلال السياسي، بديلاً للارتهان، وللتخصيب القومي بديلاً عن التخصيب الطائفي والمذهبي والعرقي والكياني.
كل ذلك يصطدم بمصالح "المركز الرأسمالي" الأطلسي بزعامة أميركا والذي لا يريد "للأطراف" أن تحقق أي نوع من التماسك، باعتباره يحمل بذوراً لحريات وخيارات فعلية تهدد مصالح الثنائي الأميركي/الاسرائيلي في الجوهر.
إنها إذا معركة مفتوحة بين المفهوم الأميركي/الغربي للحرية والمصالح الفعلية والحقيقية لشعوبنا حيث تنخرط في هذه المعركة شركات ومؤسسات وإعلام وأقلام وأحزاب، فمنهم من سقطوا شهداء، من روّاد حركة التحرر والاصلاح والنهوض القومي والاجتماعي، ومنهم من غمّسوا أقلامهم بدماء شعوبهم وتضحياتهم ليبنوا أمجادهم الشخصية وعروشهم وما أكثرهم في عالم الأمس اليوم.
إنها مهزلة الحريات والقيم في زمن يفاخر بـ"قيم" ما يُسمّى بـ "العالم الحرّ"، في حين أنّه يمارس سياسة الإستعباد ضدّ حقوق الآخرين و حريّاتهم.