كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مظفر النوّاب.. حكاية من دمشق

خالد فهد حيدر- فينكس:

كنت قد استمعت لشريط كاسيت للشاعر مظفر النواب، كان ذلك في اللاذقية مطلع ثمانينات القرن الماضي، و أعتقد بأن القصيدة (القدس) هي فاتحة شهرة الشاعر الكبير أو على الأقل القصيدة التي انتشرت كالنار في الهشيم، و حين وصلت دمشق طالباً جامعياً ١٩٨٤- ١٩٨٥ كانت شهرة "النواب" واسعة جداً في صفوف الطلبة إلى جانب "أحمد فؤاد نجم" و بالطبع أغاني "مارسيل خليفة" و "أميمة خليل" و "خالد الهبر" و حتى "زياد الرحباني"، و في مرحلة متأخرة "سميح شقير" دون أن يكون بمستوى من سبق.
المرة الأولى التي أرى و أحضر شخصياً مظفر النواب كانت في صالة الحمرا في دمشق في أمسية لم أعد أذكر من نظّمها، و كان الازدحام، فالمسرح غصّ بالوقوف أكثر من الجلوس، و قد استمتعنا و ضحكنا و بكينا و اشتعلنا غضباً. و مضت الأيام و الشهور و قد علمت بأن الشاعر النواب، الذي غادرنا إلى دار البقاء اليوم 20 أيار 2022، يتردد غالباً إلى مقهى "الهافانا" الشهير، و في ذلك الوقت كانت شركة فنادق الشام قد بدأت بإدارته، على ما أذكر فلبس حلة جديدة، و قررت أن ألتقي "النواب" و في كل مرة أمر أحدق في "الهافانا" إلى أن رأيته ذات مرة، فقررت الدخول للقائه، و فعلاً دخلت و اتجهت نحوه، و الحقيقة الصادمة جداً أنني التقيت بإنسان مختلف عن المسرح، رقيق هادئ يقطر عذوبة و حياء و تواضعاً جماً، و كنت قد عرّفته على نفسي و أصر أن اجلس، و طلب لي بعد أن خيّرني فنجان قهوة و جلسنا و لم تمض دقائق قليلة حتى جعلني أعتقد بأننا نعرف بعضاً منذ سنوات، و برحابة صدر نادراً سألني و سألته و استمر اللقاء حوالي ساعة من الزمن.
و قد لفتني و أدهشني، في ذلك اللقاء، وجود أوراق بيضاء مصقولة بجانبها قلم اسود، و على هذه الورقات البيضاء الصغيرة لوحات في غاية الجمال، أذكر إحداها لأنثى ترقص فيما الأخرى طير حمام فارداً جناحيه يطير، لأكتشف لحظتها بأن مظفر ليس شاعراً مدهشاً فقط، بل و فنان تشكيلي مدهش أيضاً.
يغادرنا مظفر النواب اليوم و هو باق في وجدان كلّ من سمعه أو عرفه، و غالبيتنا حفظ مقاطع من قصائده.
يقيني بأن "النواب" من أهم الشعراء الذين عبّروا عن الناس و آلامهم و فجائعهم بأسلوب تفرّد به، و من الجدير ذكره بأن مظفراً لم يكن من عائلة فقيرة، و مع هذا التزم أوجاع الناس المستضعفين و المقهورين و قضايا الوطن العربي و في المقدمة فلسطين.