كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د. بهجت سليمان: (قَطَر)... و (السّعوديّة) و المنطقة... و العالم.. هل نحن على أبواب حربٍ جديدة..؟!

[(قَطَر)... و (السّعوديّة)، و المنطقة... و العالم]

{هل نحن على أبواب حربٍ جديدة..؟!}

في غَلَبة الأحداث على التّحليل، تتظاهر الأولويّات، أحياناً، في علاقات مُبهمة أو في شكل غير واقعيّ أو غير حقيقيّ.
كما أنّ تداخل الأسباب و النّتائج في كثافة الأحداث، تجعلُ تبادلَ المواقع و الأدوار، يُبدّلُ زوايا الرّؤية في تحريكٍ أو تحرّكٍ ، تبدو فيه مجموعة من الأحداث تنتسبُ إلى جملةٍ سياسيّة واحدة، هذا إن لم تكن صالحةً لتكونَ عموميّات عامّة، في الوقت الذي لا ينصحنا فيه التّاريخُ بهذه الاستفاضة في التّعليل.
و على العكس ، فإنّ الحدث الواحد نفسه قد يعني في هذه "الجملة" السّياسيّة، غير ما يعنيه - هو نفسه - في "الجملة" التّالية.

هذه صورة من التّعقيدات التي يتعدّاها الصّراع المرير العابر للتّأمّل، عندما يكونُ لزاماً على خطاب الحرب أن يكونَ عامّاً، و هو كذلك على أيّ حال.

في الظّاهر، فإنّ الحدث الخليجيّ الأبرز و المعاصر، يمرُّ في العلن و المباشرة الصّريحة سهلة التّفسير و التّأويل.. (قَطَر) مموّلة للإرهاب الإقليميّ و ربّما العالميّ، أيضاً..!؟
هذا ما ينصبّ عليه الإعلام و من ورائه السياسة الفجّة التي لم تعد تقنع عقول الجماهير المتابعة للحرب.. و لكن أيّ تمويلٍ هذا، و أيّ إرهاب؟

في أقربِ خطاب ذكريات السّياسة العالميّة التي لم يجفَّ حبرها، بعدُ، كان الإرهابُ "الإسلامويّ" ظاهرة فوق جغرافية تجاوزت الحدود السّياسيّة للدول، كما تعدّت هذه "الظّاهرة" الأيديولوجيّات السّياسيّة "المُحافظة" (أو غير "المُتحرّرة") مُخترقةً "دولاً" و "ممالكَ" و "إماراتٍ" و "دويلاتٍ" و "منظّماتٍ" و "أحزاباً"، أيضاً!
و كانت المنطقة الإقليميّة كلّها على قائمة " الإرهاب " العالميّ الذي فنّدته قوى الغرب الإمبرياليّ و بنّدتهُ تبنيداً مُزوّراً لم ينجُ منه، بالاتّهام، حتّى القلب الذي يحترق به في سورية..!؟

و مع التّطوّر الضّروريّ للتّفاعلات المرجوّة و المرغوبة، أو غير ذلك، للحرب، سعى العقل السّياسيّ الغربيّ (الإمبرياليّ) إلى تطوير الخطاب السّياسيّ نفسه عن طريق تحديداتٍ أقلّ تعميماً، فأصبحت الحرب على الإرهاب، هي حربٌ على سورية على اعتبارها جاذبة للإرهاب العالميّ..!؟

في "النّقلة" الشّطرنجيّة السّياسيّة التّالية، بدت "الرّقعةُ" الإرهابيّة تتجاوز حدود "الشّطرنج" الدّوليّ، فدخلت "دول" جديدة في مجرى الصّراع، و انتقل خطاب السّياسة إلى التّحذير من خطرٍ إرهابيّ داهمٍ على "العالم الحرّ" الدّيموقراطيّ! هذه المرّة، أيضاً.
كان كلّ سياسيّ عاقلٍ يترقّبُ و ينتظرُ تحوّلاتٍ سياسيّة أخرى في نسقِ الخطاب الثقافيّ - السيّاسيّ العالميّ المركزيّ، و كنّا، على الأغلب، غير بعيدين في التّوقّعات على احتمالات تطور "الخطاب" الغالبة.

" فَجْأَةً " ينشقُّ المشهدُ الأميركيّ عن (ترامْب) في تحوّلٍ صارِعٍ للسيّاسة الأميركيّة، تجاه الحرب، بين (أوباما) و (ترامْب)!
من المفهوم طبعاً أنّ المسألة ليست متعلّقة بالأسماء الشّخصيّة لرؤساء أميركا، و إنّما بالقرارات المُستجدّة في "السّياسة".

قلنا، و نكرّر، إنّ الهدف الأميركيّ (المركزيّ الغربيّ) هو هدفٌ مزدَوج: أوّلاً، ابتزاز "الخليج"، و ثانياً ، الإبقاء على الجغرافيا الاقتصاديّة الخليجيّة، عازلاً جغرافياً - سياسيّاً في النّظريّة "الجيوبوليتيكيّة" الأميركيّة، كفاصل "أوراسيّ" متقدّم في وجه الزّحف القاريّ الرّوسيّ مع منظومته الاقتصاديّة - السياسيّة الآسيويّة بعامّة، و الإيرانيّة - التّركيّة بخاصّة.
بكلّ تأكيد فإنّ أميركا لا تعتبر (تركيا) من "عظام الرّقبة"، و هذا ما لم يفهمه "الأحمق" التّركيّ، إلّا متأخّراً جدّاً!

و في غضون إدراك أميركا العميق للمنظومة السّياسيّة الإقليميّة، و في صناعتها المحاذيرَ و المعجزاتِ أمام "الإتّصال" و "التّفاهم" الأدنيين ما بين عناصر هذه "الكتلة" القاريّة الصّلبة، تقليديّاً، و التي هي بمنأًى جغرافيّ - على الأقلّ - عن الطَولِ الأميركيّ، و في ظروف التّفاوت المفهوميّ لأسس و أهداف و آفاق الصّراعِ العالميّ، بين أميركا و (إسرائيل)؛ أيضاً؛ و أمام احتشاد القوّة الأميركيّة الاستراتيجيّة المباشرة في أقصى "شرقِ آسيا"..

و أمام خشيةٍ سياسيّة أميركيّة واقعيّة من توحّد "الجهود" الإقليميّة لمقاتلة "الإرهاب" تحت الضّغط الذي شكّلته قوى المقاومة و الممانعة في الحرب السّوريّة المباشرة و الصّريحة على "الإرهاب" الإسلامويّ..
أمام كلّ هذا و عناوين تمتّ إليه، فقد حان وقت الانتقال في "الّلعبة" الأميركيّة إلى أقصى المقامرة المجانيّة، فكان من المفروضِ - و بذكاءٍ متوسّط - أن يُضافَ إلى "المنظومة" متغيّراً سياسيّاً جديداً في مناخ "مضمونيّة" الجانب الاقتصاديّ - الإبتزاز.. فكان هذا المُتغيّر ببساطة هو قلبُ صفحة جديدة في تاريخ "الخليج"!

ممّا كتبته أميركا على هذه "الصّفحة" الجديدة، هو أنّ على "المنطقة" أنْ تُهدّد تهديداً شخصيّاً للزّعامات الفارغة فيها من قبيل (محمد بن سلمان) و (تميم بن حمد).
و ليس هذا فحسب، و إنّما أيضاً اتّقاءً وقائيّاً لإمكانيّة احتمال التهام قوة خليجيّة لقوة خليجيّة أخرى ، تحضيراً لتوتّرٍ مُستدام.

في الواقع كانت الخشية على (السّعوديّة) و ليست على (قَطَر)..!؟

في السّياق أعادت (أميركا) ببساطة اصطفاف الدّول الإقليميّة اصطفافاً طارئاً بالنّسبة إلى هذه الدّول!
و في المقابل جعلت أميركا "المكان" من جديد مؤهّلاً لمستقبلٍ تجريبيّ ليس واضح المعالم، إذا استثنينا منه فكرة السّيطرة الأميركيّة عن بعد.. و إشغاله إشغالاً مباشراً عن "مشاريع" ربّما كانت قيد التّكون في الأفكار أو في الواقع، لقوى لا تستطيبها أميركا نظراً لتاريخها غير الخاضع.. (إيران، مثلاً) أو حتّى غير المنسجم (و هنا أعني تركيا)، بما في ذلك الزّحف الإيرانيّ النّاعم إلى دول "الخليج" العربيّة مثل (قَطَر) و (عُمَان)!

كانت تبدو في الأفق أيضاً "مهاراتٌ سياسيّة" مزعومة، غير مستحبّة أميركيّاً. لم تكن أميركا غافلة - و لا يُمكن أن تكون غافلة - عن التصالحات التّقاطعيّة ما بين روسيا و قَطَر و تركيا و إيران..
و على ألّا ننسَى جوهرَ حديثنا - هنا - و هو الخشية الأميركيّة من أن يصبّ اتجاه التّغاير أو التّغيّر أو التّغيير في صورة "سهلة" أو "سريعة" لمصلحة سورية، إذ أنّ الهدف الأمريكي، المرحليّ على الأقلّ، هو استدامة الصّراع في سورية و استنزاف كلّ "المكان" في أتون هذه الحرب، تحت الرّقابة الأميركيّة التي تعني الحفاظ على منابع الإرهاب في العالم..!؟

كان السّؤال حول الإشراف على منبع الإرهاب الإسلامويّ في العالم بسيط الجواب.

تشكّل ( السّعوديّة ) بأيديولوجيّتها السّياسيّة الجاهليّة ، أكبر خزانٍ للإرهاب الإسلامويّ عبر أكثر من مئة عام، في العالم!..
و لأنّها حقيقة تاريخيّة أن يُنظر إلى الواقع من هذه الزّاوية، فإنّ الذي جرى هو قلب "المفهوم" التّاريخيّ إلى مفهوم سياسيّ مصنوع بالقوة و العنف الذي طوّرته أميركا بسرعة، في قلب الخلاف الخليجيّ المدفون في نوايا الالتهام و الزّعامات التّقليديّة العربيّة الإسلاميّة بذاكرتها المليئة من الأمس القريب..
فإذا بالأمر يتحقّق و لا يتحقّق أيضاً في آنٍ معاً. (في هذه الجزئيّة نُحيلُ القرّاء إلى فهم حداثويّ نقديّ عميقٍ لمبدأ "الهُويّة" الأرسطيّ!).

فَوَفقَ الدّور " القَطَريّ " - كما صرّح بالشّأنِ مسؤولون ضالعون في الجريمة على سوريّة - لم تكن (قَطَر) نقيّة أخلاقيّاً في تخريب سورية..
بل على العكس فقد ساهمتْ و صنعتْ و موّلَتْ و درّبتْ و استحزبَتْ و استعصَبَتْ و حرّضَتْ و خرّبتْ و قتَلَتْ في سورية بالقدْرِ الذي شاركها فيه آخرون معروفون كالسّعوديّة و تركيا، ممّا لا يجعل التّهمة بتمويل و تصنيع الإرهاب غريبة عنها.
الأسباب قريبة و التّعليلُ شهير!.. هكذا جرت إعادة تركيز الكثافة السّياسيّة (الإعلاميّة)، على نحو أطال في عمر "الوظيفة السّعوديّة"، كحاجة حربٍ مستقبليّة، مثلاً..
في حين أنّه لم يعمل على تقديم أيّ جديدٍ عن (قَطَر). و لكنّ الأمرَ المستجدّ أن تبلغَ الوقاحة السّياسيّة في الّلعبة التّافهة إلى أن يجري تحييد (السّعوديّة) أو تشريفها وتنظيفها من القذارة السّياسيّة بالمقارنة مع (قَطَر).
ما من شيءٍ، إذاً، يمكن أنْ يجعل السّياسة "الاستعاريّة" أقلّ وقاحةً أو أكثر خجلاً، أكثر ممّا يجعلُ "الجَمَلَ" مَضربَ المَثلِ في "الوفاء"!.

ماذا تريدُ أميركا؟

ببساطة، فإنّ ما تُريده أميركا، علاوةً على ما أوضحناه بالتّفصيل أعلاه، هو أن تفرضَ بالقوّة قواعد لعبةٍ جديدة في الصّراع السّوريّ - الشّرق أوسطيّ - الأوراسيّ، و هذا ما قد حصَلَ فعلاً.

التّحالفاتُ الجديدةُ ليستْ شاذّةً كما قد قلنا على "الهوايات" "السّياسيّة الاستعاريّة"..
فقد تعوّد القارئ أن يقرأ في الأدب السّياسيّ، ما مفاده عدم خلود التّحالفات و التّناقضات و العداوات في "السّياسة"..!؟
هذا قولٌ للهواة السّياسيين أو لآخرين من مرتبةِ تلامذة السّياسة.
ثمّة خطّ سياسيّ تاريخيّ آخر يوصفُ و يُقوّمُ على أسس أخرى هي من طبيعة العدالة الطّبيعيّة.. و قد كان (أفلاطون) رائدَ هذه المدرسة السّياسيّة في التّاريخ ، كما كان (عليٌّ) من مُحَدّثيها في الإسلام الأوّل.
كنّا نحن هنا، أيضاً، قد تحدّثنا على هذه الصّفحة حول السّياسة بوصفها أخلاقاً خالصة.
هذا صحيح!

و لكنّ الغريبَ - في أقلِّهِ - هو هذا "التّسارُعُ" القياسيّ في الاصطفاف.. هل كان هذا "الاصطفاف" خطة (ب) أخرى على غرار الخطة (ب) الأميركيّة التي تحدثنا مرّة هنا، على هذه الصّفحة، عنها، أيضاً؟ (كان مختصرها أنّنا قلنا إنّها الانتقال الأميركيّ في الصّراع السّوريّ من "الوكالة" إلى "الأصالة".. لتحقيق أهدافٍ.. و أهدافِ الآخرين الأعداء)؟

يبدو الجواب على هذا السّؤالِ أمراً مستعصيّاً.. ليس لصعوبته، و لكنْ بسسب ما قد يذهب البعضُ في تفسيره بعيداً أو قريباً على غير ما رمينا إليه.
باختصار هنا، فإنّ ما نعنيه ليس "الخطّة" ذاتها، إذ من البيّن أنّ الوشائج التي صنعت هذا الاصطفاف ليست ارتجاليّة الّلحظة، و هذا أمر بَدَهيّ.
و لكنّ الذي يستوقفنا في الحالة الأخيرة هو الحجم أو الكمّ الأخلاقيّ في هذا "الاصطفاف"..!؟
هل نعود، دَوراً، لنتساءلَ حول علاقة السّياسة بالأخلاق..؟!
لا أظنّ أنّه من المفيد تكرار التّأكيد على عمليّة (و "براغماتيّة"، أيضاً) مضمون العدالة في الأخلاق و السّياسة سواء بسواء!

من السّابق لأوانه - كما يُحبّ أن يُعبّرَ المُحلّلون أو المُعبّرون - أن نقوم، الآن، بتقويم النّتائج الجديدة لهذا الاستقطاب الطّارئ.
أعني من السّابق لأوانه فعلاً، أن نجزمَ بأنّه اصطفاف طارئ أو ثابت و نهائيّ..
على الأقلّ في الهزيع الأخير من هذه الحرب، الذي بدأ فعلاً.. و لكن هل تنتهي الحرب المعاصرة على هذا المنوال؟

إنّه من أكثر الأشياء عرضةً للشّكّ و السّخريّة هو أن نقول بنهاية للحرب على هذا الطّراز.. لا أعني أبداً أن مظاهر الحرب لن تتبدّل.
ما أقولهُ هو إنّ حرباً أخرى بدأت أو ستبدأ وشيكاً، هي من نوع إعادة توزيع "الصّراع" في سورية أو- و- على سورية في الجغرافيا التي تُعدّ لحربٍ جدّيّة بمفهومٍ يختلف عن مفهوم الحرب على الإرهاب!
هذا أمرٌ كبيرٌ و، أيضاً، ذو شجون..!؟

هل ينتهي "الإرهاب" - أي هل سينتهي - مع التّضحية السّياسيّة بقطر و اصطفاف "الآخرين" إليها؟
هل سيكون مصير هؤلاء "الآخرين" هو، أيضاً، التّحييد السّياسيّ لإطلاق دورٍ رئيسي للسّعوديّة في إعادة تنظيم و هندسة الإقليم؟
هل ستحيّد (إيران) و (تركيا)، أو هل سيتحدّد دورهما بتحجيمه بواسطة "عطايا" أو "رشيّاتٍ" سياسيّة و "أمنيّة" و "اقتصاديّة"، كُلّاً منهما وَفق الجغرافيا و المجال الحيويّ و الإخضاع؟ ـ طبعاً مع التمييز بين الدور الإيراني والدور التركي ـ.
و أخيراً هل سيبلغ "الاتّفاق" (أو "التّقاطع الجيوبوليتيكي") الرّوسيّ - الأميركيّ أقصاه، هنا، على هذا النّحو، في "الصّراع".. في هذا الشّوط من المواجهة...؟!

كلّ ما تقدّم أسئلةٌ تخطرُ في خَلَدِ كلّ مَن "أقلقه" أو "أضناه" واقع هذه الحرب..
و لكن ألا يبقى "المُقترح" الأخير، هنا - مُقترحنا - وجيهاً، إذا قلنا إنّ عصر الصّراع العالميّ لا يزالُ يدورُ في الفَلَكِ الأميركيّ؟

عندما تتكاثرُ الأسئلةُ من هذا القبيل، و معها تبدو الأجوبة محفوفة بالمغامرات الاجتهاديّة، فإنّ "فلسفة السّياسة" هي المؤهّلة وحدها للتّصدّي للمقاربات الفكريّة القابلة للاشتغال.
و على هذا الأساس علينا أن نفكّرَ بقوّةٍ مرجعيّة تُذلّل الكثير من الصّعوبات في طريقة تناول الأفكار و الأحداث معاً في وقتٍ واحد.

يجب أن يذكر و أن يتذكّر "الجميع".. أنّ حرباً كالحرب التي أشعلها "العالم" في سورية هي حرب غير مسبوقة.
و لكنّ الاستنتاج المبنيّ على هذه الحقيقة بالضّبط، يجعل من القول بإمكانيّة تكرارها أو اشتمالها على أكثر ممّا عاصرناه فيها، احتمالاً استنتاجيّاً (غير استقرائيّ) عمليّاً و وارداً ورود كيفيّة و أسباب اشتعال أصلها من "العدم".
هو ليس عدماً طبعاً، و إنّما هو "عدمٌ" تخييليّ أصاب "الحكمة" كما أصابَ "شرَفَ العالم" بالدّهشة و الذّهول!
إنّ من استطاع أن يُشعل هذه الحرب، بالطّريقة و الكيف و الكمّ، على نحو ما كان، هو قادرٌ أيضاً على تكرارها بتفاصيل مستفادة أكثر دقّة و فاعليّة انطلاقاً من خبرة تجربة الحدث.

و إذا وصل بنا الحديث هذا الموصِلَ، فإنّ حرباً أخرى، إذاً، قد تكون على الأبواب التي لم تُغلق نهائيّاً، بعد.

و أمّا إذا لم يُقيّض لأحدٍ أن يفهمَ هذا الكلام على أنّه تحذيرٌ، فَقَدْ يفهمه على أنّه تهديد..!
ليس التّهديد بتقرير قرارٍ إنسانيّ، و إنّما تهديد "العشوائية" الكونيّة - الطّبيعيّة للاجتماع السّياسيّ العالميّ، بأنّ استعادة الاستقرار "العشوائي المضطرب" بالعودة إلى استقرارٍ متناوب.. لا يُمكن أن يكون على هذه الطّريقة من مجموعة التّعسّفات.

***

("داعش" و "قَسَدْ": بضاعة أمريكية)

- هذا التنظيمان اللذان يشكلان خنجراً في القلب السوري، جرى تصنيعهما أمريكياً، كي يكونا جسراً ومَعْبَراً، للهيمنة على سورية، وإعادة الهيمنة على العراق.

- ودور "داعش" المرحلي، كان يقتضي تقويض الدولتين السورية والعراقية ، تمهيداً لإعادة صياغتهما وتشكيلهما وتسليمهما - أي الدولتين السورية والعراقية - لقوى وجهات محلية تابعة كلياً ل"العم سام" وتأتمر بإمرته وتدور في الفلك الإسرائيلي.

- وقد أدى "داعش" وظيفته المناطة به، بدرجة يستحق الشكر الأمريكي - غير المعلن - على ما قام به..

- ولكن المشكلة التي واجهها "العم سام" هي عدم قدرته على إنتاج القوة أو القوى المحلية البديلة، والكفيلة بالحلول محلّ النظام السياسي الوطني السوري، وكذلك فشله في إعادة وضع يده بالكامل على النظام السياسي العراقي، رغم تأثيره الواسع عليه.

- وللخروج من هذا "المأزق" الأمريكي، قامت واشنطن بِحَقْنِ القيادات والكوادر الكردية الإنفصالية داخل سورية، بعوامل القوة المادية والتسليحية والتعبوية الممكنة، وقامت بتزيينها ببعض الرموز العشائرية العربية وغير العربية التي باعت نفسها للشيطان، والتي انضوت في المليشيات المدارة أمريكياً في سورية، وهي تلك التي أطلقوا عليها تسمية "قوات سورية الديمقراطية!: أي "قسد" الأحرف الأولى الثلاثة".

- وما لم يفطن إليه الأمريكي هو أنّ مصير "قَسَدِ هِ" هذه، لن يكون بأفضل من مصير "داعِشِ هِ" تلك، مهما نفخَ فيها ومهما راهن عليها ومهما عَوَّلَ على قدرتها العسكرية الحالية، التي استغلت وتستغل انشغال الدولة الوطنية السورية بمواجهة و طحن المجاميع الإرهابية الظلامية التكفيرية المتأسلمة.

- وستتبْدَّد "قَسَدْ" كما تتبدد "داعش" حالياً، رغم أنف الأمريكي والإسرائيلي والأوربي..
ورغم أنف بعض الإنفصاليين الكرد الذين سيكونون أول من سيدفع ثمن خيانتهم للوطن السوري.

- وعندما اجتاحت "داعش" منذ ثلاث سنوات، قسماً كبيراً من الأراضي السورية والعراقية، قال الرئيس الأمريكي "أوباما" حينئذ، ورَدَّدَتْ وراءه أبواقُهُ الإعلامية بين ظَهْرَانَيْنا، بأن "داعش" ستبقى مابين "10" - إلى "30" عاماً، على الأقل...
قلنا حِينَئِذٍ، وعلى الإخبارية السورية، بأنّ عُمْرَ "داعش" قصير، وأنه لا مستقبل لها في سورية.
والآن نقول عن "قسد" ما قلناه حِينَئِذٍ، عن "داعش".

- ولنتذكَّرْ أمراً واحداً، هو إصرار المستعمِر الأمريكي الجديد على إطلاق صفة "الديمقراطي" على جميع القوى والتنظيمات والجهات والأدوات الفاقدة لإستقلالها والتابعة له والدائرة في فلكه.