كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هلوسات مابعد منتصف الليل...

باسل علي الخطيب- فينكس

لا أعتقد أنه يوجد في الفيزياء مبدأ أعظم من مبدأ الشك للعالم هايزنبرغ، هذا المبدأ يقول "إنه لا يمكن تحديد كمية حركة وموضع جسيم دقيق في الوقت نفسه"....
أنت عندما تركل كرة قدم، تستطيع أن تقيس كمية حركتها وتحدد موضعها في الوقت نفسه في أي لحظة، ولكن هذا لا ينطبق على الجسيمات الدقيقة كالألكترون مثلاً، فإن نجحت في قياس سرعته لن تستطيع تحديد موضعه بدقة، ويبقى موضعه خاضعاً للإحتمالات والفرضيات....
فقوانين الرياضيات والفيزياء ليست مجرد أرقام ورموز ومعادلات فحسب، إنما تحمل في طياتها أبعادا ماورائية، فلسفية تحديداًً....
مبدأ الشك إياه يخبرنا أنه مامن شيء حتمي أو مطلق، حتى ما يبدو أنه مطلق أو حتمي، هو ليس كذلك أبداً، أنت عندما تقيس طول قطعة مستقيمة مرسومة على الورق بمسطرة ما، وتحصل على قياس لهذه القطعة، هذا القياس، وحتى لو توخيت الدقة الكاملة، لن يكون دقيقاً بالمطلق، لأن أداة القياس، وأقصد المسطرة إياها مكونة من جسيمات دقيقة، وهذه الجسيمات خاضعة للارتياب، لذلك ستكون المسطرة نفسها خاضعة للارتياب، وبالتالي القياس خاضع للارتياب وغير دقيق بالمطلق....
لا يسعني هنا إلا تذكر الآية الكريمة في سورة الكهف وذاك الحوار بين شخصين، تقول الآية "ودخل جنته وهو ظالم لنفسه، قال ماأظن أن تبيد هذه أبدا"... يقصد جنته التي يتباهى بها....
ليرد عليه صاحبه في آية أخرى ويقول "قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك......."....
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، أين كفر الشخص الأول؟ كل ما قاله أن جنتي لن تفنى أبداً...
أين الكفر أو الشرك في ذلك؟....
الشرك أو الكفر فيما قاله الشخص الأول، أنه أعتبر جنته حقيقة حتمية مطلقة، لايمكن أن تفنى، وبالتالي أشركها في ذلك مع الله، الذي هو المطلق الأحد الذي لايفنى، وماعدا الله كله فاني وغير حتمي أو مطلق......
مبدأ الشك أعلاه يحمل بعداً إيمانياً رائعاً، أنه مامن شيء حتمي أو مطلق في هذا الكون، وأن كل مافي هذا الكون نسبي، وخاضع للتبدل والتغير، وأن الله هو المطلق الاوحد في هذا الكون، وأن كل مافي هذا الكون ملزم بالحركة والحراك والتحول، وهذا معنى القول "أن كل من فيها لله يسبح".... أي أنه يتحرك ويتبدل، ويقر بهذا التبدل من حال إلى حال بالوحدانية لله، أنه الأوحد الذي لايتبدل من حال إلى حال.....
هذا لايعني أن الفيزياء الكلاسيكية وأقصد فيزياء نيوتن ليس لها مكان في ذاك البعد اللاورائي للأمور، الفيزياء الكلاسيكية تشرح كل شيء حولنا ترصده حواسنا، هي مناسبة لنا ككائنات قاصرة، هي بعض ذاك اللطف الذي يرافق حياتنا، هي ليست كفيزياء الكم التي انبثقت من مبدأ الشك ومن توصيف ماكس بلانك للضوء، أنها موجودة ولكن لانفهمها، ولن نفهمها، أقصد الفيزياء الكمومية، الفيزياء الكلاسيكية تثبت وجود الاشياء أن لها هيئة أو صورة محددة، وهي واضحة أمامنا، ولكن بالمقابل هذه الصورة ليست حقيقة هذه الاشياء، وبالمقابل الفيزياء الكمومية تخبرنا عن أشياء ليس لها هيئة ولكنها موجودة ولايمكن إدراك كنهها أو ماهيتها....
أريد أن أشير إلى نقطة مهمة هنا عن الفيزياء الكلاسيكية، أنها تثبت مبدأ الحتمية، أن الأمور تسير في اتجاه محدد لاتحيد عنه، وان كل شيء يجري لمستقر له، وأن الأمور يجب أن تصل لغاياتها، وان كل شيء في هذا الكون يخضع لقانون ما، "والقمر قدرناه منازلاً.....".... "ذاك تقدير العزيز الحكيم"... وتلك القوانين لم توجد إلا إيناساً ولطفاً بالناس، وهي حقاً ليست إلا تلك المسافة بين الكاف والتون في "كن فيكون".... وهي قد تكون ألف سنة مما تعدون أو أكثر.....
حتمية الفيزياء الكلاسيكية لا تتعارض مع ظنية الفيزياء الكمومية، فكلاهما تتمان الامور في سياق أكمال نصف الحقيقة، ولا أجد مثالاً على ذلك من المثال التالي، ليكن لدينا مثلث قائم متساوي الساقين، طول كل من ساقيه واحد سنتمتر، تستطيع بسهولة رسم هذا المثلث على الورق، وستكون صورته واضحة أمامنا، وقد رسمنا ساقيه مع الوتر، هذا الوتر سيكون طوله حسب نظرية فيثاغورث جذر العدد 2، ولكن اليكم المفاجأة، لايوجد جذر للعدد 2، أو بالأحرى جذر العدد 2 هو عدد غير عادي، أي أنه غير منته وغير دوري، ولكننا رسمنا الوتر، أي أن له طول محدد، فكيف يكون هذا منطقياً؟....
هذا التناقض الظاهري يشرحه ماقلته اعلاه، فصورة الوتر المرسوم تدل على ذاك اللطف الإلهي الذي يخاطب به الله عز وجل عقولنا القاصرة إيناساً لنا، و هذه هي الفيزياء الكلاسيكية..... أما ذاك العدد الجبري اللامنتهي لجذر العدد 2 الذي لايدرك له ماهية، فهو تلك القدرة الربانية اللامتناهية تلك القدرة التي لايحدها حد، وعدم دورية هذا العدد تعني ان تلك القدرة لها أشكال مختلفة غير محدودة، وهذه هي الفيزياء الكمومية......
ختاماً اقول، علمتني كل تلك العلوم، أنه عندما ترتشف الشفات الاولى من كأسها، تكاد تنكر وجود الله، ولكن عندما تكاد تصل قعر الكأس، تجد الله في انتظارك.....