كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العورة السورية...

باسل علي الخطيب- فينكس

قد يكون - ومن حيث العدد - أكثر الكتب والمواضيع التي قرأتها بعد الفيزياء والرياضيات هي في التاريخ.....
قرأت تاريخ الكثير من الشعوب والدول والامبراطوريات والأمم والأفراد والقبائل، وهذا الطيف شمل كل جغرافيا العالم تقريباً، من أقصاه إلى أقصاه....
وقد حباني الله ذاكرة وحافظة قويتين جلعتاني قادراً على المقارنة والاستعارة والقياس والاستنتاج و الاسقاط....
لم أقرأ أبداً وقولاً واحداً تاريخاً لدولة ما في أي مكان من العالم، وعلى طوال التاريخ المكتوب منذ 3200 عام قبل الميلاد فيما خص الصراع بين سلطة ما ومعارضة ما، لم أقرأ عن معارضة تشبه المعارضة السورية....
ذات يوم أسميت ماحصل في سوريا منذ عام 2011 (العورة السورية)، ودأبت لاحقاً على استعمال هذا التعبير......
لاجدال أن العورة في الجسد هي عورة، وتبقى المكان الذي يغطيه الإنسان أياً كانت عديد خلايا دماغه الذي يستعملها، لأنه ليس بذاك المنظر الذي يعرض.....
نعم، هذه سنوات (العورة السورية)، تتالت الأيام لتكشف عن هذه العورة، لنكتشف كل تلك البشاعة والوحشية والقذارة التي كانت كامنة في النفوس، لم نكن ندري أن هذه الأرض تحمل كل هذا الورم، كان يكفي بضعة نعيق من هنا، وبضعة زعيق من هناك، حتى ينفجر ذاك الورم قيحاً وبلغماً ودماً، وقد ساح وانداح حتى غزا كل الجسد تقريباً...
لطالما طرحت في حياتي الكثير من الأسئلة على نفسي، وذلك في مختلف المواضيع، وخاصة فيما خص البديهيات أو المسلمات، تساءلت يوماً من أين اتت تلك الكلمة الشتيمة (عرصة) أو (عرص)، فالعرصة في اللغة هي القطعة من الدار أو الأرض....
قمت ببعض البحث وعرفت.....
في فترة الخلافة العثمانية وقد كانت الدعارة مرخصة، وبآوامر سلطانية، قامت الدولة بتخصيص دور أو قطع من الأرض (عرصات) تزاول فيها البغايا والمومسات المهنة، حتى لايزعجهم أو يزعجوا أحداً، وتم تكليف شخص ما لكل عرصة مهمته حماية مقر عمل هذه المومسات، وتحصيل الضرائب منهن، والكشف الطبي عنهن، وأسموه بمرسوم سلطاني (شيخ العرصة)، ولاحقاً صارت تتداول للسهولة كلمة واحدة (العرصة)، ولما كان هذا العمل وضيع وقذر و ساقط، ومع الأيام، تحولت الكلمة إلى شتيمة، وهي أكبر شتيمة يمكن أن تقال لشخص ما....
إذاً (العرصة) أساساً هي مسمى وظيفي.....
لست سباباً أو شتاماً، ولن أكون أبداً، إنما أقوم بالتوصيف، وعليه وبالعودة إلى ماقلته أعلاه، ألا تستحق (المعارضة السورية)، تسمية (المعارصة السورية)؟.... وحتى لايشطح البعض في فذلكة النقد، أوضّح فأقول: أقصد هنا كل معارضة استعانت بالأجنبي، أو حملت السلاح، أو مارست دعارة الشماتة، أو باركت أو هللت لأي عدوان كان على البلد....
كل هذه السنوات قد مرت، وكل ها الخراب وتلك الدماء وكل أولئك النازحين والمهجرين، وهذا الأفق المسدود، ومازالوا إياهم، يصفقون لأي عدوان على البلد ولو كان من الكيان الصهيوني، يهللون لمقتل جنود الجيش ولو كان ذلك بأيدي داعش، يفرحون لفرض كل أنواع العقوبات على الدولة. والشعب، بل ويطالبون ويسعون للمزيد، ويعرفون يقيناً أنها ستزيد من صعوبة ومشقة الحياة على الناس، يتلذذون ويتاجرون بعذابات الناس، يشمتون كلما زادت متاعبهم....
ذات اللغة الطائفية، ذات الإسهال الفكري، ذات التهرصات، ذات الخيالات المريضة، ذات الوجوه الكالحة.....
تمنيت أن أسمع واحداً من هؤلاء، تنظيماً، حزباً، هيئة، يتكلم ولو مرة من منطق الحرص على البلد، ويترفع ولو لمرة أن يكون مجرد قبقاب في تلك القدم أو هذه، يترفع عن كونه ولو مرة ليس نذلاً، تمنيت ذلك حقاً، عسى أن نأتي جميعاً إلى كلمة سواء، ولكن هيهات....
قولوا لي، (العرصة) أيام العثمانيين كان يحمي وينظم أوكار البغايا، ماذا يفعل رهط (المعارصة السورية) اليوم سوى أنه يحمي ويغطي كل عواهر العالم وهم يعتدون على بلادهم وشعبهم؟.. ماذا يفعلون سوى أنهم يحرصون أن تبقى تلك العورة السورية اللعينة بائنة للكل؟....
إن كان هناك من شعور مشترك عندنا نحن السوريين فهو شعور القرف حتى الثمالة، القرف من هؤلاء هناك، والقرف من فاسدينا هنا، مسؤولين وتجاراً وسماسرة قضايا ومتكسبي الحرب والفوضى.....
القرف أن جماعة (المعارصة) يتحدثون عن أوجاعنا، يتباكون عليها في مسرحيات هي باطل يراد به باطل، ويطالبوننا بالعصيان والتظاهر والاعتصام....
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، القرف من فاسدينا هنا، أنهم يستحقون أن نرفع الصوت بوجههم، ونبادل فسادهم وغيهم وظلمهم بأن ندير ظهورنا لهم ولو لمرة، أو نريهم الوجه الذي يستحقونه....
لكن لن نفعل لا هذا و لاذاك، لن يكون هناك عصيان، لن تكون هناك اعتصامات أو مظاهرات أو قطع طرق، ليس نكاية أو كرهاً بالمعارضة، أو مراعاة لمشاعر فاسدينا، إنما حباً بالبقية الباقية من هذا البلد، حرصاً على البقية الباقية من الأمل، وتوفيراً للرمق الأخير أننا سنحتاجه لننهض يوماً ما بهذه البلاد، أو ينهض بها أولادنا.....
ختاماً....
هل كنتم تعرفون أن الذكور تحيض؟....
إذا استمعوا إلى رهط المعارصة السورية أو إلى عصابة فاسدينا....