كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

النداء الأخير

باسل علي الخطيب- فينكس:

ها أنا أجلس الآن في بيتي، أشعر بإنهاك شديد، تجاوز عدد ساعات عملي اليوم 10 ساعات، البارحة كذلك الأمر، علماً انني عانيت خلال هذين اليومين من ارتفاع درجة حرارتي، وصداع في رأسي نتيجة التهاب أحد أضراسي، أنهكني ارتفاع درجة حرارة جسمي خلال هذين اليومين، إضافة إلى تعب العمل، كل ذلك حتى أستطيع أن أضع بعض الطعام الحلال على المائدة أمام أولادي....
أجلس الآن وأنا أتصبب عرقاً وتعباً، أشرب المتة، بالكاد أستطيع أن أرفع كاسة المتة، أشعر بالوهن، هذا تعب متراكم، و ليست الحرارة هي السبب فحسب، هذا نتاج تعب فكري وجسدي تراكم على مدى شهور....
تلوح أمامي من خلال النافذة أضواء الليزر في السماء، يبدو أنها قادمة من أحد المنتجعات، الأضواء تخبرني أمراً مراً مرارة العلقم، أننا صرنا في هذا البلد طابقين، أنا وانتم في ذاك الطابق إياه، حيث الظلام والبرد والطوابير والبطاقة الذكية....
أغمضت عيني قليلاً....
هي كلمات حان الوقت كي تقال.....
نعم، هاقد صار ظهرنا إلى الحائط تماماً، ولقوة استنادنا عليه يكاد يقع علينا، فرغت الجعب من الحلول، ذاك الانفراج الذي عولنا أن يأتينا من تلك الصحراء، تبين أنه ليس إلا سراباً، فثمنه بضعة القلب والعقل والكرامة التي بقيت.....
لن يرحمنا أحد، وهاقد نفذت كل بطاقات المسرحية، سيتابع الكل احتضارنا، وبيننا وبين الموت بضعة مسافة، هي سنوات أخرى من الجوع والقهر والعجز....
لم يعد أي كلام يجدي، لم يعد أي منبر قادر على لملمة كل هذه الجراح، لم تعد اي فلسفة قادرة على إعطاء كل تلك الأسئلة الملحة أجوبتها الشافية...
نعم، لقد ماتت اللغة، أو أنها تحتضر....
إذاً، خذوا علماً....
ليس هناك ماهو أخطر من الأمعاء الخاوية، ليس هناك ماهو أخطر من جراحات الكرامة النازفة، وهذه وتلك ليس هناك ماهو أسهل من توظيفها، والخراب عندئذ سيكون عاماً....
هذه المركب تغرق، ومعها سنغرق جميعاً، لن ينجو أحد، وإن كان هناك من يفكر بالهرب، فهيهات، لن يستقبلنا أحد، جميعنا سنغرق، من كان يدري ومن لايدري، من يدعي الوعي ومن يمارس الجهالة، الغني والفقير، الوطني والعميل...
قد يكون لنا عزاء وحيد في ذلك نحن الفقراء، أن الأغنياء والتجار والمسؤولين سيسبقونا ألى القاع، لأن أحمالهم أثقل......
عنونت مقالي (النداء الأخير)، ولكن احذروا ماذا؟....
مع كل مانحن فيه مازال الحل بأيدينا...
نعم، مازالت النجاة ممكنة....
الحل يحتاج ثورة تقوم بها وتقودها الدولة، ثورة بوصلتها تجربة التعامل مع حصار الثمانينات، وأنا هنا لن أفصل، ولكن سأضع عنواناً رئيسياً، ألا وهو عودة الدولة....
هذا يحب أن يبدأ بإلغاء كل المقررات الاقتصادية للمؤتمر القطري عام 2005، وكل ماترتب عليها من قوانين وإجراءات اتخذتها الحكومات المتعاقبة بدءًاً من فريق الدردري إياه، حتى تاريخه، الغاء كل قرارات الخصخصة أياً كان مسماها...
نحتاج قرارات تقارب قانون التأمين لكل الثروات والمصالح التي تم تحصيلها بطرق ملتوية أو عبر استغلال السلطة.... إعادة تفعيل قانون الطواريء فيما خص كل الفوضى التي تعيشها على كل الأصعدة....
هذه الثورة تحتاج رجال دولة، لن تؤتي أكلها ألا عبر أناس أكفاء مخلصين في مواقع المسؤولية، وهذا هو الفيصل في نجاح هذه الثورة، عدا ذلك لا....
كل ماذكرته أعلاه يحب أن يترافق مع وضع خطط إسعافية على المدى القصير، وخطط علاجية على المدى المتوسط، وخطط تنموية على المدى البعيد، مع جداول زمنية محددة، ولا يكفل تطبيقها إلا تفعيل قوانين المحاسبة...
نعم، يمكن اختصار ماقلته أعلاه بحملة واحدة، أن تعود الدولة دولة رعاية وحماية، وليست دولة جباية فحسب...
هذه الثوره يحب أن تقودها عقلية ترتكز على أربعة أمور:
إن الخلاص جماعي، ولايوجد خلاص فردي
إن الدولة هي أولئك الـ 95 بالمئة من المواطنين، وليست تلك الـ 5 بالمئة...
أنه لايوجد حل آخر...
أنه لا خيار امامنا إلا أن ننجح، ودون ذلك الهاوية.....
أعرف أن هذه الثورة لوحدها لن تكون كفيلة لإنقاذ سورية، فسوريا من دون الجزيرة السورية ليست سورية، ولن يمكنها النجاة على المدى الطويل، وإن حصل فستكون دولة ضعيفة...
كتبت عن هذا الموضوع في المقال السابق، ونوهت أن تحرير تلك المناطق هو أولوية استراتيجية، تعادل في أهميتها الثورة التي تحدثت عنها أعلاه.....
مازالت أضواء الليزر تلمع قبالي، صارت أقوى، تذكرني أننا على حافة الهاوية، وتلك الهاوية سحيقة جداً، تذكرني أن الندم هو شعور وطني أيضاً، وتؤكد أن اقتراحي أعلاه ليس صعب التحقيق، فالمستحيل ليس سورياً، وقد حققنا ماهو أصعب، أننا صمدنا في هذه الحرب، وقد حان وقت هذا الحل، فليس هناك من يضمن البطون الخاوية ماذا يمكن أن تصنع، والمتربصون كثر، والسفينة ضعيفة جداً....
عندها.....