كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لماذا أكتب؟

باسل علي الخطيب- فينكس:

يسألني الكثيرون لماذا أكتب؟...
ولمن أكتب؟...
أحدهم، على سبيل المثال، وفي تعليق له على احدى مقالاتي التي كنت قد جهدت كثيراً في كتابتها، سألني لماذا تتعب نفسك وعديد التفاعلات كلها لايكاد يصل المئة؟!!...
الصراحة ليس عندي إجابة واضحة أو جاهزة لتلك الأسئلة أعلاه، ولست ممن يحبون الأجوبة النمطية....
أعرف أن بعض مقالاتي تذهب بعيداً في جرأتها، و بعضها يذهب بعيداً في عدم نمطيتها، وأعرف أنه قد يكون لها أثمان، وقد دفعت بعض تلك الأثمان سابقاً، وأعرف أنني أكتب ماتفكر به الناس وليس لها القدرة على التعبير عنه، أو ليس لها الجرأة، بل إنني اكتب مالا تجرؤ الناس أحياناً على التفكير به، أعرف أنني أسير مع الكثير من كتاباتي في حقل الغام، وأنني لطالما كنت لا أنتمي فكرياً إلى ذاك الصندوق إياه، وأعرف أيضاً - وهذا هو الأهم - أنني سأكون وحيداً إلا من قلة قليلة جداً، إن حصل وتوجب دفع استحقاقات تلك المقالات، و هذا الذي اقوله، لا أقوله استنتاجاً، إنما أقوله يقيناً وعن تجربة، فعندما تم اعتقالي سابقاً، كان لسان حال الأغلبية (جزاتو)، (خرجو)، (شحطوه)، (كم مرة نصحناه)، (ليش يكبر معلاقو)، (كلنا بنعرف هالحكي اللي كاتبو)..... مع بعض الشماتة أو كثيرها أحياناً، وهؤلاء أنفسهم من كانوا يثنون على كتاباتي ويمدحونها ويقولون وبالحرف أنك تكتب مانفكر به أو مانعيشه، وهؤلاء إياهم مازالوا حتى تاريخه....
لماذا أكتب؟...
لا أعرف يقيناً.....
ولكني لاعرف يقيناً أنني لا اكتب من مطلق اللؤم أو الحقد أو الكره.. أكتب عن عقل بارد وقلب حام.. أكتب من منطلق الحب والخوف أحيانا.. أكتب من منطلق الوعي والإدراك، والأهم من منطلق الانتماء لهذا التراب وهذه العقيدة والانتماء لعكاز ابي و (إشار) أمي....
أحيانا أعتقد نفسي صاحب رسالة، أو أن القدر اختارني أن الله حباني بفضله بعض الثقافة وبعض العلم وبعض الادب وبغض اللغة وبعض الموهبة، فكانت هذه مهمتي في هذه الحياة، أن أكتب عن هذا التراب ولأجل هذا التراب....
أخطأ أحياناً، وقد أخطات سابقاً، وقد أكون عصبياً وحاداً احياناً، وقد أغضب، ولكن يعلم الله ويعلم كل من يعرفني أن غضبي لايستمر أكثر من خمس دقائق، ولايبقى منه ولو ذرة واحدة في القلب، ويعلم الله أن في هذا القلب من الطيبة والحنان الكثير الكثير، وانتي لم أوذ أحداً في حياتي، وإنني لم أقل يوما كلمة لا لشخص ما طلب مساعدتي وانني بذلت في سبيل مساعدة الناس الكثير من الجهد والوقت والمال والتفكير والعلاقات، فعلى سبيل المثال، المئات من طلاب قسم الجغرافيا من جامعات طرطوس وتشرين والبعث ودمشق وعلى مدى 18 عاماً، حصلوا على المادة العلمية لمشروعات تخرجهم من عندي، ولم أكلفهم أو أجعلهم يدفعون أو أقبض منهم ولو ليرة واحدة، ولو فعلتها - وهذا حقي - لكان معي على الأقل ثمن سيارة....
يظنني البعض (مدعوماً)، لا أقصد الدعم (شيت) الرز والسكر والزيت، إنما ذاك الدعم إياه، لا أيها السادة، أنا لست مدعوماً، قلمي ينتمي لهذا التراب وهذا التراب وحسب، يستند إلى عشرة ألاف سنة من العبقرية، والى تراث والدي.. قلمي ليس مرتهناً لأحد ولن يكون....
نعم، لست (مدعوماً)، أنا فقط عند كل استيقاظ وعند كل خروج من البيت أقول: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين"،.....
اللهم صلي على محمد وآل محمد...
بجانب بيت أبي في قريتي الحبيبة بقعو يوجد تشريفة للسيد العالم الموحد الشيخ أحمد الغساني قرفيص، أستعين به بعد الله، ياسيدي (أبو علي).... وأعتقد أنني كنت بارا بوالديي، ومازلت أسعى لذلك...
هذا هو دعمي، وحسبي ذلك....
ولمن يسأل عن بعض ماوتيته من علم، فذاك أساسه تلك العقيدة الجوهرة، ولم اترك علما إلا وحاولت التبحر فيه، ولم يفلت من يدي يوما كتاب وصلت إليه، وقد حباني الله وله الحمد حافظة وذاكرة قويتين......
أذكر يوم اعتقالي من بيتي، وقد انطلقت بنا السيارة، تفاجأت أنها لم تسلك الطريق إلى الفرع في طرطوس، سالت أين نحن ذاهبون؟ قالوا إلى دمشق، هنا وفي هذه اللحظة صليت في مكاني ركعتين، دعوت الله، واستعنت بسيدي الشيخ أحمد قرفيص، وماكدت أنهي صلاتي ودعائي، حتى أنزل الله في قلبي سكينة وهدوءاً وعزيمة وقوة وهدوءاً وبصيرة لم أعهدها في كل حياتي، واستمر الحال هكذا حتى إطلاق سراحي بعد أسبوع....
ألم يدفع أولادي وزوجتي ووالدي ووالدتي وأخوتي ثمن تلك الأيام قلقاً وتوتراً وخوفاً وقهراً وتفكيراً وارقاً واعصاباً وبكاءً؟... نعم، ولكن هذا هو قدرهم وقدري، ونحن راضون بقضاء الله وقدره، وتسأله اللطف فيه....
لماذا أكتب؟...
لأنه يجب أن أكتب....