كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قصص من سيراليون

باسل علي الخطيب- فينكس:

حدثني صديق لي مغترب في سيراليون بعض القصص الغريبة هناك، هذه أولها....
يقول صديقي....
أتابع أحياناً بعض الإعلام السيراليوني، أحتمل الأمر دقيقة أو دقيقتين، أغير المحطة، الاستنتاج الأول و الوحيد عند متابعة الإعلام السيراليوني أنهم منفصلون عن الواقع، ولكن، يردف صديقي، ليس الإعلام هو الوحيد المنفصل عن الواقع هناك، قلما تجد مسؤولاً أو رفيقاً سيراليونياً إلا وكأنه في دنياه الخاصة، وكل الدنيا الباقية في دنيا أخرى....
نعم، الإعلام هناك ليس له علاقة بقضايا شعب سيراليون الحقيقية، أتحدث هنا مضموناً، أما من حيث الشكل، فما شاء الله، فنحن حتى نستغل الكهرباء التي تأتي نصف ساعة كل ست ساعات - بالمناسبة صديقي، هذا يعيش في منطقة متوسطة في سيراليون، أخبرني أن الكثير من شعب سيراليون لاتأتيهم الكهرباء هذه المدة -، يكمل صديقي، خلال هذه الفترة نتابع إعلاماً آخراً، إعلاماً لدول تخاصم و تكيد لسيراليون، و رأساً تحضر المقارنة، في ذاك الإعلام الآخر، أستديوهات مبهرة بصرياً، تشد الناظر، مذيعات على درجة عالية من الأناقة و الحشمة والكياسة و الهيبة، مذيعات رزينات، في وقفتهن، في جلوسهن، يتحدثن اللغة الفصحى السهلة، إبهار بصري من كل النواحي يشد المتابع، و مهما كان الباطل الذي يسوقونه، تراه مع تلك البهرجة التي يزينونه بها ينسل كدبيب النمل في العقول....
أما في الإعلام السيراليوني، فيا حسرتاه، ترى إستديوهات أغراضها وكأنها مشتراة من سوق الجمعة أو سوق الحرامية، مذيعات لباسهن و كأنهن تسوقنه من سوق (النسوان)، ليس هناك حشمة أو حتى أناقة، مهلهلات في كلامهن، في تصرفاتهن، ليس لهن علاقة بالرزانة أو الكياسة، مع الكثير من المياعة الفجة، و مكياج كأنهن وضعهن عند (أبو عبدو الكهربجي)، و الأنكى من ذلك يتحدثن بلغة عامية مبتذلة سخيفة، حتى أنك تكاد تتقيأ كل ذاك الغضب و القهر الذي في داخلك مسبات و شتائم، و أنت تتابع هذا الإعلام السيراليوني، و مهما كان بعض الحق الذي يسوقه هذا الإعلام، تراه عاجزاً ضعيفاً مهلهلاً أمام زركشة ذاك الباطل....
نعم، حتى تاريخه، و رغم كل النكسات السابقة، لم يفهم القائمون على الإعلام في سيراليون أن الإعلام صناعة، أنه وسيلة دعائية جبارة، أنه أداة حرب، قد تكون أقوى من الجيوش أحياناً، لا توجد أي حجة أنهم على تلك الدرجة من الهزالة أو السخف، حتى ولو كانت سيراليون تتعرض للحصار أو العقوبات، ففي شوارعها تسير أحدث السيارات، وعلى أراضيها تبنى أفخم المنتجعات.....
إنفاق المال على الإعلام في بلد مثل سيراليون يتعرض و تعرض دائماً لحرب إعلامية أهم من إنفاقه في أي مجال آخر، يعادل في أهميته إنفاقه في مجالي التربية و التعليم...
لا يلام الناس في سيراليون أنهم لا يتابعون إعلام بلادهم، و هناك ما هو أجمل بألف مرة، و الريموت كنترول باليد، و هي ليست إلا كبسة زر...
المشكلة ليست في أولئك الذين يعملون في الاعلام في سيراليون من إعلاميين أو معدين أو فنيين أبداً، فهم على درجة عالية من المهنية والكفاءة والجمال، والدليل أنهم يبدعون ويتالقون من كل النواحي، مضموناً وشكلاً، عندما يعملون في دولة أخرى، في بوركينافاسو أو في الصومال أو جزر القمر أو حتى موزامبيق....
ببساطة، المشكلة في أولئك القائمين على الإعلام هناك، كأن عقولهم تنتمي إلى ذاك العصر الحجري إياه...
ألم احدثك أعلاه عن الانفصال عن الواقع؟!....
تنهد صديقي وسحب مجة طويلة من سيجارته، نظر إلي وقال: هل تعرف ماهو متوسط رواتب الإعلاميين في سيراليون؟... أجاب لوحده: عشرة من ذاك الأخضر اياه، قلت له عشرة من ذاك الأخضر إياه في الساعة؟!.. ممتاز، مالهم لايظهرون إذاً بمظهر جيد على الأقل؟!.. الحق عليهم..... (فوعر) صديقي عينيه وكان أمه (توحمت) به على ضفدع، ونظر إليّ و أطلقها ضحكة مجنونة..... في الساعة؟ لا ياصديقي في الشهر، في الشهر...... (فوعرت) أنا الآخر، واتحدت ضحكاتنا مع بعض الهز حتى أوقعنا (كاسات المتة) على الأرضية، وتناثر أخضر المتة على البلاط، وهذا الأخضر أخطر من ذاك الأخضر بالنسبة لي أمام زوجتي، فخلفه عقوبة من المدام، قد تجبرني مثلاً أن أنام حافياً، لذا اسرعنا سويةً ونظفنا الأرضية.....
بالمناسبة صديقي وعدني بقصة أخرى، ولكم الحرية بتشكيل الهمزة في كلمة أخرى، فتحة أو ضمة حسب تقييمكم للقصة أعلاه....