خربشات آخر المجانين
2023.05.14
باسل علي الخطيب- فينكس:
لا أريد شيئاً....
أو بالأحرى لم اعد أريد شيئاً، حتى عندما كنت أريد، لم أكن أريد الكثير، وأرجو أن لا تفهموا كلامي شكلاً من أشكال المعارضة السلبية، كلمة المعارضة ليست موجودة في قاموسي أبداً، وسلوا زوجتي عن ذلك، فأنا لا أعارضها في شيء، حتى تعبير المعارضة السلمية غير موجود.....
أنا لم أعرف في حياتي المظاهرات أو الاعتصامات، قضيت حياتي مسيرات وتجمعات مؤيدة، مذ كان عمري 12 عاماً، وأذكر أنني تدربت كثيراً كيف يجب أن تكون قبضة يدي عند الهتاف، أن يكون الإبهام مطبقاً على بقية الأصابع المضمونة إلى الداخل، دربونا عليها كثيراً، حتى كدت أظن أن الهتاف لا يصح إن لم تصح القبضة...
أعرف أنني قصرت في أمر مهم، أنني لم أتعلم الدبكة، وتعلم هكذا أمور على كبر عمل صعب، وأرجو أن لايتم اعتبار ذلك نوعاً من المس بالهيبة، فأنا وحق الزيغة كائن هامشي، فحتى جارتنا في آخر الحارة لا أجرؤ على المس بهيبتها، فكيف بغيرها؟....
عدا عن ذلك، هذا لا ينفي أنني كنت دائماً مواطناً صالحاً، وهاكم النتيجة، أنا صامد وصامت وصابر وصائم، ولا أفطر إلا على رسائل البطاقة الذكية، أحياناً أنا أجوع، ويجوع أولادي، واعذروني أنني قلت ذلك، والصراحة أنني حاولت العيش على التركيب الضوئي، ولكنني أخفقت، فكما تعرفون هذه العملية تحتاج يخضوراً، وقد مضى زمن طويل مذ كانت نفسي خضراء على شيء.....
عفواً، عفواً، هل قلت أنا أجوع؟ أعتذر، أعتذر، أنا متخم بالشعارات، تصوروا أنني رددت ذاك الشعار إياه وذاك إياه مرات أكثر من المرات التي قلت فيها لزوجتي أحبك، وقد قلت لها هذه الكلمة كثيراً، وأرجو منكم أن لاتعتبروا كلامي وهناً لعزيمة أحد...
بالنسبة للبرد، (فلا تهكلوه للهم)، عندي بطانيات كثيرة، وإن احتجت المزيد منها، نتدفأ على حرارة الايمان أو حرارة الصمود...
أعرف أنني لا أتقيد ببعض التوجيهات أحياناً، تقولون ارفع رأسك، اعتز بنفسك، و لكن رقبتي اعتادت الطأطأة، ولكن لاتلوموني، فقد خسرت كل معاركي، فأنا
الذي هزمتني بصلة...
هزمتني طبخة المجدرة...
هزمتني جرة الغاز....
هزمتني قنينة الزيت....
هزمتني سارية السواس....
هزمني باب الحارة....
هزمني جبل شيخ الجبل....
هزمني التطوير والتحديث....
هزمني كل المؤتمرات الحزبية والنقابية....
حتى جزر المالديف هزمتني في كرة القدم.....
أنا لا أريد شيئاً، لست أريد من كل هذا الوطن إلّا حيزاً صغيراً أبعاده مترين ضرب متر، ولكم أن تختاروا العمق، ولكن هناك حلماً حقيراً واحداً قد بقي لي، وأنا أخجل أن أعكر عليكم بترهاتي، ولكنني أحلم أنه إن أعطى الله عمراً، أن يبقى أولادي قربي، هنا في البلد، أن يعملوا ويتزوجوا وينجبوا، أحلم أنه عندما أصير عجوزاً، أن يناولني حفيدي كأس ماء لا أستطيع الوصول إليها، أنا اخاف أن أموت وحيداً.....