كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لبنان.. الى أين؟

باسل علي الخطيب- فينكس:

يكاد يمضي عام و اللبنانيون لايستطيعون انتخاب رئيس، وقبل ذلك بقي لبنان سنتين من دون رئيس قبل انتخاب ميشيل عون، عدا عن كل تلك المرات التي كان يتعثر فيها تشكيل الحكومة هناك....
سابقاً وعندما كانت سورية موجودة في لبنان، كان يجري تشكيل الحكومة بكل سلاسة، ويتم انتخاب الرئيس بسلاسة اكبر، والسبب وجود ضابط الايقاع السوري الذي كان يضبط ايقاع اللعبة والمحاصصة في لبنان ...
لم يعش اللبنانيون استقراراً سياسياً وازدهاراً اقتصادياً في تاريخهم كله، كالذي عاشوه أثناء فترة التواجد السوري، ألا يثبت هذا بالدليل القاطع أن اللبنانيين غير جديرين بإدارة بلدهم، وأنهم يحتاجون وصياً شرعيا بشكل دائم، وتحديداً سوريا؟....
يعتبر لبنان أحد أمراض سورية المزمنة، قلنا سابقاً ومراراً أن لبنان هو خطأ جيوسياسي صار واقعاً جغرافياً، وقلنا أيضاً أنه في كل مرة كان يتشكل نظام عالمي جديد، كانت سورية تدفع جزءاً من أراضيها ثمناً لهذا التشكل، حدث هذا عدة مرات، وإحدى هذه المرات كان اقتطاع جزء من أراضيها وإقامة الكيان اللبناني عليها، وقلنا أيضاً أن الكيان اللبناني هو كيان وظيفي بامتياز، حيث لعب دور الخاصرة الضعيفة التي قضّت مضجع دمشق مرارا وتكراراً، وان سوريا قد خسرت 12 الف شهيد على أراضيه حتى تبقيه موحداً.....
ذكرت أعلاه أن لبنان هو خطأ جيوسياسي، ولم أقل كارثة جيوسياسية، لأنه كانت لسورية بعض المنفعة احيانا من وجود هذا الكيان، إذ شكّل لها الرئة التي كانت تتنفس عبرها في فترات الحصار التي تعرضت لها.....
لبنان ليس دولة، بل إنه لايملك مقومات الدولة، فأغلب مكوناته لاتعتبره وطناً نهائياً، إذ أن أغلب مكوناته ينظرون إليه على أنه محطة انتقالية، ليس من حيث المكان إنما من حيث الكيان، هذا أدى إلى انعدام وجود مفهوم المواطنة فيه.....
نعم، لايشبه هذا الكيان أي كيان سياسي آخر في العالم، هناك دول ثنائية الهوية والثقافة واللغة في العالم كتركيا وبلجيكا وأوكرانيا، ولكن لديها هوية، لبنان بكل بساطة بلا هوية، هذا شكّل عقدة نقص عند اللبنانيين، سعوا ألى تعويضها عبر (التنمر)، متسلحين لأجل ذلك بالقشور الثقافية، تنمّر اللبنانيون على كل محيطهم، كانت ادواتهم في ذلك الفنون بأنواعها، هوس الموضة، التشبه بالثقافة الغربية، لم يستند تنمرهم على تفوق تكنولوجي أو صناعي أو زراعي أو علمي، وهذا مالم يفكروا به أبداً، لأن اللبنانيين اختطوا لأنفسهم وبلدهم نهجاً أنهم بلد خدمات، حتى صار اقتصاد البلد كله اقتصاد خدمات، على فكرة هذه هي الهوية الوحيدة الجامعة للكيان اللبناني أنه بلد خدمات. أريد أن أشير إلى نقطة مهمة هنا، أن سبب تفوق اللبنانيين في المجالات التي ذكرناها أعلاه، أن متصرفية جيل لبنان وبالمصادفة الجغرافية والتاريخية، كانت أول من خرج من سيطرة العثمانيين عبر تدخل الدولة الأوروبية فيها من الباب الطائفي، ومن ثم إنشائها للعديد من المدارس والجامعات عندهم...
ولكن حتى في هذه المجالات فقد اللبنانيون أسبقيتهم فيها جميعها منذ قرابة ثلاثة عقود، ولكنهم لايريدون الاعتراف بذلك، لذلك يظهر هذا التنمّر أجوفاً وغبيا ومضحكا، عدا عن ذلك، التنمّر عند اللبنانين تنمّر انتقائي، لأنه نابع عن ضعف وليس عن قوة، فلأنهم مجتمع خدمي، ويقوم اقتصاد بلدهم على تقديم الخدمات، وكنا هو معروف الاقتصاد الخدمي تحكمه العلاقة الذهبية التي تقول إن الزبون دائماً على حق، لذا هم يتنمرون حيث يستضعفون، أو حيث لا مصلحة لهم، وتراهم دبلوماسيين أو حتى خنوعين إلى درجة الإذلال حيث لديهم مصلحة، طبعا نحن نتحدث أعلاه عن بعض لبنان وليس كله، ولكن هذا البعض يدعي ويزعم أنه كل لبنان، عدا عن كونه هو الغالب عبر الشاشات...
طبعاً، الطابع الخدمي للكيان لم يقتصر على المجال الاقتصادي والمالي والسياحي - مع كل أشكال السياحة المشروعة منها وغير المشروعة- فحسب، بل تخطاه إلى الجانب السياسي، وهذا عكس بشكل جلي الدور الوظيفي لهذا الكيان، حيث يستتزلم كل حزب أو تشكيل سياسي عند هذه الدولة أو تلك الدولة، و نقصد الاستزلام هنا بالمعني الحرفي للكلمة، حيث تعتبر (الشننتة) المحرك الأساسي للسياسة في لبنان، عدا عن كونها المحرك الإعلامي والفني الأساسي، لذا نرى تلك الاستعصاءات الحادة عند اي استحقاق سياسي يمر به الكيان...
يحلو للبعض تسمية لبنان سويسرا الشرق، هذه كذبة مضحكة، لبنان كان يشبه سويسرا في أمر وحيد ألا وهو أنه كان المركز المالي للمنطقة، ولكن حتى هذه الميزة قد فقدها بعد أن انتقل المركز المالي للمنطقة من بيروت الى دبي، عدا عن ذلك سويسرا أصلا كانت اساسا كيانا معقداً، تسود فيه ثلاث ثقافات أساسية الإيطالية والألمانية والفرنسية، هذا الكيان نشأ من اتحاد عدة مقاطعات وفق عقد اجتماعي قام على أساس العدالة الاجتماعية والمساواة وهذا ماحققه الكيان السويسري لمواطنيه، وعلى أساسه تحول الكيان إلى دولة، وهذا مايفتقده لبنان بالمطلق....
كان نظام المحاصصة الطائفي المقيت في لبنان، هو النموذج الذي استقاه الامريكيون بالكامل وطبقوه في العراق بعد احتلاله، لاحظوا أن مشاكل العراق الحالي هي نفسها مشاكل لبنان ولكن بحجم أكبر، مما يجعل العراق كومة قش كبيرة، يمكن أن تشتعل في أي لحظة وتحرق كل المنطقة....
بالمناسبة كلمة السر في أن هذه الحرب والأزمة قد طالت في سورية، لأن المشروع السياسي الأمريكي لسوريا هو ذات نظام المحاصصة الطائفية في لبنان، وذاته الذي طبقوه في العراق، هذا يعني أننا سنكون أمام أزمة لألف عام، لهذا سوريا قاومت وتقاوم ولو حتى بأسنانها.....
نعود إلى ماقلناه أعلاه، حان الوقت لسوريا أن تغلق هذا الجرح في خاصرتها، فهذا الجرح لن ينفك عن التقيح مراراً وتكراراً وايلامها جداً، وان كان من مصلحة بعض الدول الفاعلة سابقا أن يبقى ذاك الجرح مفتوحا، أعتقد أن هناك بعض التوافق على إغلاق هذا الجرح ولو بشكل جزئي، ومن يعتقد أن هناك أمراً ما مستحيل في السياسة، فعليه أن يتذكر أن الخرائط دائماً تتبظل، وأنه وقبل 23 عاما كان هناك دولتين كبريين هما الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا قد زالتا وقامت مكانهما 22 دولة، وأنه إن نظرنا إلى خريطة أوروبا السياسية خلال القرنين المنصرمين، للاحظنا أنها تبدلت كثيراً وبشكل جذري عدة مرات...
أما البديل عن هذا الخيار فهو مؤتمر وطني لبناني يفضي إلى عقد اجتماعي جديد يراعي المساواة من دون محاصصة طائفية، على أن يكون ضابط الايقاع السوري هو من يرعى هذا المؤتمر...