كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الربيع الأفريقي..

باسل علي الخطيب- فينكس:

"الكلب لا يعض أخاه"....
عبارة علقت بذهني من أحد القصص التي كتبها مارك توين عن العنصرية، هذه العبارة جاءت على لسان أحد العنصريين البيض، عندما اشتكت إحدى النساء السود التي تعمل عنده في حقول القطن أن كلباً عض ابنها، و طلبت من رب عملها أن يسعفه إلى المشفى، فكان هذا جوابه.....
لا تحب الدولة العميقة في الولايات المتحدة نموذج دونالد ترامب و تحاربه بعنف، دونالد ترامب يمثل الصورة الحقيقية للشخصية الأمريكية، هو النموذج الفج عن تعجرفها، عن لا أخلاقيتها، عن جشعها، عن تعطشها للمال بأي طريقة، هذه الصورة التي سعت الدولة العميقة لطمسها طوال قرنين عبر ماكينتها الدعائية و الإعلامبة، وقدمت تلك الشخصية انها المنافحة و المدافعة عن حقوق الإنسان و حريته و الساعية إلى العدالة و الديمقراطية.....
امريكا لم تقل أنها غزت العراق من أجل نفطه و تدميره، قالت أنها غزته لتخليصه من الديكتاتورية و جلب السلام و الديمقراطية لشعبه، أتى ترامب ليزيل كل هذا المكياج و يظهر أمريكا كما هي، لذا حاربته الدولة العميقة و أزاحته و قد تغتاله......
أوروبا الغربية و تحديداً بريطانيا لم تحارب هتلر لأنه نازي، حرب بريطانيا ضد ألمانيا لم تكن حرباً ضد النازية، إنما لأن هتلر أظهر الوجه الفج و الحقيقي للثقافة الأوروبية الغربية، أنهم كلهم نازيون، و بريطانيا أشدهم نازية و عنصرية، لذا سعت للقضاء على هتلر لأنه يفضح الشخصية الأوربية الغربية ويظهرها على حقيقتها من دون تجميل....
ذات مؤتمر جمع ماكرون ببعض قادة دول إفريقيا الخاضعة للنفوذ الفرنسي عام 2017، غادر رئيس بوركينا فاسو قاعة الاجتماع لأسباب شخصية، على أن يعود بعد قليل، علق ماكرون على مغادرته قائلاً: يبدو أنه قد ذهب لإصلاح المكيف...
هذه هي النظرة الحقيقية الأوروبية الغربية لعموم شعوب العالم و تحديداً إفريقيا، أنهم يعتبرونهم حتى لو كانوا برتبة رؤساء عمال أو مستخدمين عندهم، و لنكن أكثر دقة، يعتبرونهم عبيداً...
وصلت هذه الجملة التي قالها ماكرون إلى مسامع بعض الضباط في بوركينا فاسو، شعروا بالإهانة و الغضب، قاموا بالانقلاب و استلموا الحكم، حيث سلموه لأكبرهم رتبة، و لكن حتى هذا الضابط كان مطواعاً بيد فرنسا، فقام الضباط بالانقلاب عليه، و استلم الحكم الرائد ابراهيميا تراوري، الذي كان المحرك الأساسي للانقلابيين....
بالمناسبة، يجب إدراج الكلمة التي ألقاها هذا الضابط أثناء المؤتمر الذي جمع قادة إفريقيا بالرئيس بوتين في موسكو ضمن التراث الإنساني الخالد، فهذه الكلمة المقتضبة القصيرة المعبرة بتلك الطريقة الجزلة و الحاسمة عبّرت عن مأساة قارة إفريقيا خلال القرنين الماضيين....
دعونا نطرح السؤال التالي، ماذا تساوي فرنسا من دون إفريقيا؟....
نجيب بشكل مباشر، فرنسا من دون إفريقيا هي بضعة معامل نبيذ، و بضعة دور أزياء، و بضعة ماركات عطور.... لا أكثر... يسمون مدينة باريس مدينة النور، حسناً، هذا النور بمعناه الحرفي (الإضاءة)، يأتي من اليورانيوم القادم من النيجر، و لكن النيجر لا يوجد فيها أي محطة لتوليد الكهرباء، و كل الكهرباء التي عندها تستمدها من نيجيريا، و بعيد الانقلاب الأخير الذي حصل، غرقت النيجر في ظلام لأن نيجيريا قطعت عنها الكهرباء....
لست أعرف عهراً أو فجوراً مارسته ثقافة على رأس السطح و علانية كما مارسته الثقافة الغربية مع بقية العالم، الشركات الغربية تستغل ثروات هذه الدول، تعطيهم منها الفتات، تستغل أبناء هذه البلاد بالعمل في هذه المناجم وصولاً إلى الإطفال في أقصى ظروف العمل، يسقطون حكومات و يضعون حكومات بديلة على هواهم، يوقعون هذه البلدان في نزاعات أهلية تدمر البشر و الحجر، يفرضون عليها العقوبات، مع إبقائها متخلفة إلى أبعد الحدود من كل النواحي، دون بنى تحتية، ودون نظام تعليمي جيد، أو نظام صحي جيد، كل ذلك في سبيل أن يحصلوا على ثروات هذه البلدان دائماً و بأبخس الأثمان، ليأتي بعد ذلك قمة فجورهم و عهرهم و يقولون أن كل ما يفعلونه أعلاه يفعلونه باسم حقوق الإنسان و الديمقراطية، و بعد ذلك يشكون و ينعون من هجرة الأفارقة إلى أوروبا....
لطالما حاولت أن أفهم هذا التضاد الذي تمثله الثقافة الغربية، فهذه الثقافة أنتجت الكثير من الجماليات على مستوى الفن و الأدب و الفلسفة، فكيف يمكن لها أن تكون على هذه الدرجة من العنصرية؟!....
قلت في مقال سابق، أن حلول أغلب المسائل الصعبة و المعقدة تكون الإجابات البسيطة، أو الأبسط حتى، لا أجد تفسيراً لما هي عليه الثقافة الغربية إلا في البعد الديني، الثقافة الغربية تعتبر نفسها تمثل ثقافة شعب اللّه المختار، و أنها مخولة ومأمورة بصنع مملكة الرب على الأرض، و أن كل ما عداها من شعوب هم أغيار وعبيد....
كان من الطبيعي أن يكون من مخرجات هذه الثقافة كتاب صراع الحضارات، الذي يجعل الصراعات القادمة تقوم على أساس ديني بحت، و أنا أتفق مع هذا الاستنتاج و لكن يجب إعطاءه مسماه الحقيقي، أن الصراعات القادمة و التي بدأت في العقدين الأخيرين ليست صراعات دينية تحديداً إنما هي صراعات أخلاقية، صراع بين منظومتين أخلاقيتين، و ذلك بغض النظر عن الأسباب التي تساق لتفسير هذه الصراعات، سواء كانت أسباباُ سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، هذه الأسباب هي واجهة الصراعات، المعنى العميق لها هو البعد الأخلاقي، هذا هو سبب الحرب على سوريا، و هذا هو سبب الحرب في أوكرانيا، و لولا أنني أضبط قلمي في كثير من الأحيان لفصلت في هذا الأمر الكثير و الكثير و خاصة فيما خص الحرب على سوريا.....
عنونت مقالي بالربيع الافريقي، ماكان يسمى بالربيع العربي كات بقيادة تركيا بتوكيل من الولايات المتحدة، ترى من يقود الربيع الافريقي؟... أعتقد أنها الجزائر، ماكان يريد أن يفعله القذافي تتولاه الآن الجزائر، وليس غريباً أن أقول إن أوامر قتل القذافي قد صدرت من قصر الأليزيه في باريس....
نعم، أعتقد أن من يقود الربيع الافريقي هي الجزائر، فبينها وبين فرنسا 130 عاماً من الاحتلال، وملايين الشهداء، وعشرات التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، وحتى تاريخه لم تعتذر فرنسا عن تلك الحقبة، ومايعزز هذا الاستنتاج أن الكثير من الضباط الذين شاركوا في الانقلابات التي حصلت مؤخراً، وأطاحت بالنفوذ الفرنسي في مالي وغينيا وبوركينافاسو والنيجر هم خريجو الأكاديمية العسكرية في الجزائر، طبعاً لانغفل دور روسيا الذي تقف مع الجزائر في هذا الدعم، الذين لايريدون تكرار خطاهم التاريخي مع القذافي.....
قبيل كاس العالم في قطر عام 2022، نال بنزيمة جائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في أوروبا، ولكن لم يتم استدعاءه لصفوف المنتخب الفرنسي المشارك في البطولة، والحجة أنه كان مصاباً، ولكن الحقيقة غير ذلك، شخصية بنزيما تمثل النقيض المطلق للثقافة الفرنسية، وهذا أمر لم يكن يستطيع تحمله الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، لاسيما مع الطبيعة المتمردة لشخصية بنزيما، في حالة زين الدين زيدان لم يكونوا يستطيعون أن يتصرفوا معه بالطريقة نفسها، فزيدان كان فريداً من نوعه كلاعب....
سالت أعلاه ماذا تساوي فرنسا من دون افريقيا؟ عندما فازت فرنسا بكأس العالم 2018 في روسيا، كان في التشكيلة الفرنسية 15 لاعب من أصول أفريقية من اصل 23 لاعب، في بطولة قطر 2022، كان في التشكيلة 18 لاعب من أصول أفريقية من اصل 25.....
لولا افريقيا قد لاتتأهل فرنسا إلى النهائيات حتى، وهذا ليس إلا مثالاً بسيطاً...