كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عندما لايزيدك الغياب أيها الكبير إلا حضوراً

باسل علي الخطيب- فينكس:
كان ذلك يوم 16 آب من عام 1993، كنت في مطار بيروت متوجهاً إلى مدينة سانت بيترسبورغ في روسيا، قمت بجولة في المنطقة الحرة في المطار، كان فيه مكتبة، وقعت عيني على كتاب عليه صورة القائد الخالد فينا حافظ الاسد، كان عنوان الكتاب (حافظ الأسد والصراع على الشرق الأوسط) للمؤلف البريطاني باتريك سيل، لم أتردد ولو للحظة واحدة واشتريت الكتاب رغم أن سعره كان آنذاك 34 دولار، وكل ماكان في جيبي كان 200 دولار، لم أنم تلك الليلة رغم تعب السفر حتى انتهيت من قراءة الكتاب، كنت أعرف الراحل الكبير رئيساً وقائداً، صرت أعرفه رجلاً بحجم أمة، وزعيماً بحجم كل تلك الآلاف الثمانية من السنوات....
كنت أودي خدمة العلم عندنا سمعت الخبر، وقد سمعناه قبل غيرنا بحكم موقع خدمتي، شعرت لحظتها بحاجة كبيرة أن أهاتف والدي، لا أدري كيف أتاني صوت والدي آنذاك وكأنه صوت حافظ الأسد: لا تحزن إن الله معكم.....
ذات يوم ربيعي من نيسان عام 1996، حطت طائرة كريستوفر بل وزير خارجية أمريكا في مطار دمشق، كان كريستوفر يعمل على خط ايقاف غضب المقاومة رداً على عملية عناقيد الغضب الصهيونية، وذلك وفق شروط مناسبة للصهاينة، في ذات التوقيت كان الراحل الكبير يستقبل بنازير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية في القصر الجمهوري، يدخل مسؤول المراسم، يبلغ السيد الرئيس أن كريستوفر في المطار، وقته ضيق ويريد على عجل مقابلة السيد الرئيس. وان لديه مايعرضه عليه، السيد الرئيس يخبر مسؤول المراسم أن يخبره أنه لايستطيع مقابلته لأن عنده ضيف، يعود مسؤول المراسم بعد نصف ساعة، يقول للسيد الرئيس يبدو أن كريستوفر غاضب من الرد وسيغادر خلال نصف ساعة إن لم تقابله، يجيب الأسد لاباس فليغادر، بعد نصف ساعة أخرى يعود المسؤول، ويخبر السيد الرئيس أن كريستوفر مستعد للبقاء حتى المساء حتى يلتقى السيد الرئيس، يجيب الراحل الكبير: مستحيل فمساءً هناك موعد عشاء رسمي سيقيمه السيد الرئيس لضيفته بوتو...
غادر كريستوفر مطار دمشق غاضبا غير مصدق....
في ذات اليوم يدخل رجا صفا على السيد حسن يخبره بالحادثة، يضحك السيد، لله درك يا أبا باسل، ويقول لصفا، علينا أن نلبس جميعاً العصابة الحمراء على جباهنا ونتوجه نحو الجنوب، سنربح هذه الحرب لأجل عيني حافظ الأسد...
في ذات الوقت كانت عربات الجيش العربي السوري تنقل كل أنواع الأسلحة من مخازن الجيش للمقاومة، لم تمضي أيام إلا وكان الكيان الصهيوني يستجدي وقف إطلاق النار، النتيجة تم ايقاف إطلاق النار وفق شروط سورية والمقاومة، هذه كانت سابقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني...
خلال تلك الفترة كنت اتابع دراستي في روسيا، ذات يوم كنت في ضيافة أحد أصدقائي الروس في الجامعة، والده گان مهتماً بالشأن السياسي ومن الرعيل السوفييتي، تناقشنا وإياه في الحادثة اعلاه، قال لي أيعقل أن بوريس يلتسين هو رئيس روسيا العظمى، وحافظ اسد هو رئيس الدولة الصغيرة سوريا؟ قلت له نعم، يلتسين هو رئيس صغير لدولة كبيرة، وقد أرداها أسفل السافلين، حافظ الأسد هو رئيس كبير لدولة كانت صغيرة، ولكن جعل من تلك الدولة دولة كبيرة....
أعرف أن الكثير من المفاهيم التي أطرحها تعود إلى أزمان تعتبر غابرة بالنسبة لهذه الأجيال، وأنه قد فات الاوان حتى تعود، ليس لأن الصح ماعاد صحاً، إنما لأن الأدمغة تم توليفها على تواترات جديدة، لن يفهم أحد إن قلت أن كلفة مخاصمة الولايات المتحدة أقل بكثير من صداقتها، ولن يفهم أحد ماذا يعني جواب الراحل الكبير عندما سأله باتريك سيل بأي جملة تريد سيدي الرئيس أن تنهي الكتاب؟ قال له: اكتب ويستمر الصراع.....

هل فهمتم لماذا كان الوحيد الذي لم يوقع؟...