كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الذبح بـ(القطنة)- ج1

باسل علي الخطيب- فينكس:
ليس لبنان خطاً تاريخياً فحسب، بل مهزلة جيوسياسية مبكية و أليمة....

عندما مرت الذكرى المئوية لإنشاء دولة لبنان الكبير عام 2020، لم يحتفل اللبنانيون بها أبداً، وكيف يحتفلون وذاك الحدث كان دائماً ولاداً للمشاكل والانقسامات والخلافات والأزمات والحروب؟....
أن يسمى ذاك الكيان بدولة لبنان الكبير، هذا يعني أنه كانت هناك دويلة لبنان الصغير، وهذه كانت عبارة عن مقاطعة ذات حكم ذاتي نسبياً في جبل لبنان أثناء فترة الاحتلال العثماني....
قرار إنشاء الكيان اللبناني هو قرار بريطاني، والتنفيذ كان فرنسياً، باعتبار أن فرنسا كانت دولة الانتداب، والغاية أن يبقى هذا الكيان بنظامه الطائفي شوكة في خاصرة دمشق.... نعم، لبنان يستحق لقب الكيان الوظيفي بامتياز، وقد لعب دوره كخاصرة رخوة لدمشق بنجاح حتى تاريخه.....
عندما نقول أن إنشاء الكيان اللبناني كان مهزلة جيوسياسية، فنحن لا نلقي الكلام جزافاً، هل تعرفون لماذا تسمى مدينة العريضة الحدودية بهذا الاسم؟..
عام 1920 وأثناء فترة ترسيم الحدود واقتطاع اراضي من سوريا لضمها الى الكيان المسخ الوليد، كان الفرنسيون يريدون ضم كل منطقة عكار وصولاً إلى تل كلخ، وكل وادي النصاري وصولاً إلى مرمريتا، أضف إلى ذلك ضم منطقة صافيتا أيضاً إلى الكيان، ولكن المطران الماروني أنطون عريضة عارض ذلك بشدة، لأن ذلك سيجعل الروم الأرثوذكس أغلبية على الطائفة المارونية في الدولة العتيدة، فكان أن تم ترسبم الحدود على طول نهر الكبير الجنوبي، انطلاقاً من المنطقة التي صارت تسمى على اسم المطران (العريضة).....
قد يكون هناك فائدة جيوسياسية واحدة ووحبدة من إنشاء الكيان اللبناني، أنه تحول ومع نهايات الستينات من القرن الماضي إلى مكب نفايات الشرق الأوسط، تحول لبنان الى ساحة لتصفية الخلافات العربية - العربية، ولولا وجود هذه الساحة لكنا شهدنا العديد من الحروب الطاحنة بين الدول العربية....
عاما 1985و 1986 و قد اشتد القتال في الضاحية الجنوبية لبيروت، كادت قوات حزب الله تسحق قوات حركة أمل، صار حزب الله يسيطر على قرابة 90% من الضاحية، ضج أهالي الضاحية نتيجة هذا الاقتتال، فكان أن تدخلت القوات السورية بدايات عام 1987 وأوقفت الاقتتال...
أنقذ الجيش العربي السوري حركة أمل من أن يقضي عليها بالكامل حزب الله...
لا يفرق أو يفترق نبيه بري عن وليد جنبلاط عن سمير جعجع عن رفيق الحريري عن أمين الجميل عن إيلي حبيقة عن ميشيل عون، هؤلاء كلهم أمراء حرب، حتى ولو كان بعضهم زعيماً سياسياً أو قائداً للجيش أو رئيساً للجمهورية، كلهم يفكرون وفق ذات العقلية، عقلية (أمير) الحرب لا ترى الأمور إلا وفق منطق الزواريب التي خرج منها، أو منطق الجحر الطائفي الذي تربى فيه، أو منطق المصلحة الفردية الوقحة، أمير الحرب لا يمكن أن يكون رجل دولة أبداً، مع تحفظي على استعمال كلمة( أمير) في هذا المقام، فمقام هذه الكلمة أعلى من قيمة هؤلاء بدرجات...
قبل فترة زار وفد برلماني عربي دمشق كرسالة تضامنية مع سوريا، ضم الوفد النائب أيوب حميد، عضو مجلس النواب اللبناني عن حركة أمل، كان التعامل الرسمي السوري معه بارداً جداً، و تقصد السوريون تجاهله و تهميشه.....
لطالما كان نبيه بري محسوباً على سوريا كحليف، و قد استفاد من ذلك إلى أبعد الحدود عندما كانت القوات السورية في لبنان، و عندما انسحب الجيش السوري من لبنان، استطاع بدهائه السياسي الذي يمتلك منه الكثير و تحالفه مع حزب الله أن يصير بيضة القبان في كل التقاطعات و التجاذبات السياسية الداخلية اللبنانية...
مع بداية الحرب على سوريا عام 2011، و قد كانت دمشق آنذاك بحاجة لأي موقف تأييد ولو بالكلمة من أي جهة كانت، وقف نبيه بري على الحياد، كان موقفه ضبابياً، كان موقفه أقرب إلى الحياد السلبي، حزب التلة إياهم، قدم هنا و قدم هناك، لم يصدر من نبيه بري في صراع البقاء الذي تخوضه سوريا موقف حاسم أنه مع القيادة السورية، مع الدولة السورية، مع الجيش السوري.....
اريد أن أشير هنا إلى نقطة مهمة، لطالما قلنا أن سوريا تعاملت ضمن العائلة العربية على أنها الأخ الأكبر، فرغم أنها ليست من الدول الكبيرة من حيث المساحة أو عدد السكان أو الثروة، إلا أنها كانت أكثرهم تضحية و إقداماً و تحملاً للمسؤولية فيما خص كل القضايا العربية، و لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كانت سوريا الأخ الأكبر من حيث أنها الأكثر استيعاباً و تسامحاً و غفراناً، و لكن هذا لا يعني أن دمشق تنسى، دمشق لا تنسى من وقف معها، و لا تنسى من خذلها، وعادة لاتتخذ دمشق في هكذا أمور أي إجراءات، أو مواقفاً علنية أو سرية، هي فقط تلجأ إلى أسلوب التجاهل، أسلوب التهميش، تجيد دمشق لعب دور التجاهل ببراعة وصبر، تدير دمشق ظهرها، وتجعلهم يتخبطون كيف عليهم أن ينالوا صفحها قبل رضاها...
هل فهمت ماذا أقصد بالذبح (بالقطنة)...
على نبيه بري أن يتنحى، تلك ورقة قد أسقطتها دمشق من حساباتها، و على حركة أمل إن أرادت البقاء في الساحة السياسية اللبنانية أن تعيد بناء نفسها بنيوياً و فكرياً، و ستنتظرهم أيام حج غير معلومات و غير معدودة نحو دمشق، و قد يحصلون على ذاك الصك من المكتب الرئاسي في قصر الشعب.....  
يتبع......