كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لعنة العقد الثامن

باسل علي الخطيب- فينكس:

لا أعتقد أنه يوجد تجمعات بشرية ما تسيطر عليها الميثولوجيا، و تتغلغل في كل ثنايا تفكيرها كالتجمعات (اليهودية) و في كل أنحاء العالم...
لقد كان غاية التزاوج (اليهودي - الصهيوني) و الذي كان نتاجه الكيان الصهيوني، كانت غايته الخروج من تلك العقد البنيوية للموروث (اليهودي)، حتى يستطيع ذاك الكيان الاستمرار....
نعم، ما تزال عقدة (ماسادا) راسخة في أذهان الصهاينة، (ماسادا) أو مسعدة، هي اسم قلعة تقع بالقرب من البحر الميت، استولى عليها اليهود أثناء تمردهم على الحكم الروماني في القرن الأول الميلادي، وقد كانت كانت آخر موقع لهم سقط بيد الرومان عام 73م، عندنا سحق الجيش الروماني التمرد، وانتهى بسقوطها أي وجود سياسي لليهود في فلسطين، حتى القرن العشرين....
(لن تسقط ماسادا مرة ثانية)، صارت هذه العبارة شعاراً، تردده كل أجيال الصهاينة، كانت هذه العبارة تشكل في السنوات الخمس والعشرين الأولى من نشأة الكيان حافزاً و دافعاً، ولكن مع تقدم السنوات صارت تذكرهم بمصيرهم المحتوم، لذا اختفى استعمالها على كل المستويات، بما فيها المستوى التربوي والشبابي....
طوال وجودهم في فلسطين، والذي كانوا فيه دائماً أقلية صغيرة، أقام اليهود مملكتين، مملكة يهودا واسرائيل، ومملكة الحشمونائيم، كلا المملكتين لم تدوما أكثر من 80 عاماً، وهذا رسخ في الثقافة اليهودية عقدة العقد الثامن، وقد عادت هذه اللعبة للظهور بقوة في السنوات الأخيرة، ليس لأن الكيان قد دخل عقده الثامن عام 2018، إنما لأن دخول العقد الثامن يترافق مع حالة شك عند كل الصهاينة على مصير كيانهم، يقارب القلق الوجودي الحقيقي، وذلك بسبب النزاعات الداخلية الكثيرة، وخاصة بين التيارات الدينية، والفساد المستشري، وعدم وجود رؤية واضحة للهوية الثقافية المستقبلية للكيان، أضف إلى ذلك وجود صراع خارجي متعدد ومفتوح الجبهات والاحتمالات.....
لا أعتقد أن الكيان الصهيوني قد مر بأزمة داخلية كالأزمة الحالية، هذه الأزمة ليست أزمة حكم و حكومة، و ليست أزمة انتخابات، و إن كان أحد تجلياتها أقصد تجليات الأزمة، أنه خلال الأعوام الثلاثة الماضية قد جرت خمس انتخابات برلمانية، وهذا رقم قياسي لم تشهده أي دولة أخرى، أضف إلى ذلك هذه الأزمة ليست أزمة اقتصاد و غلاء معيشي و تضخم....
هذه الأزمة بكل بساطة أزمة بنيوية، تضرب المجتمع و الجيش و الكيان، أزمة بنيوية تطال الأسس التي قام عليها الكيان، حتى أن الشكوك والنقاش قد استطالا إلى ما كان بديهياً و مسلماً به قبل عدة سنوات.....
قد تكون القوة النارية عاملاٌ أساسياً في ربح المعارك، و لكنها لا تستطيع لوحدها ربح الحروب، إسرائيل هي (الدولة) الوحيدة في العالم التي أُنشئت من أجل جيشها، نعم إسرائيل هي جيش أُنشئ لأجله دولة، عكس كل دول العالم، الدولة أولاً و من ثم الجيش لحمايتها داخلياً و خارجياً...
تميز الجيل الأول و الثاني من المهاجرين اليهود بروح التضحية، التضحية في طريق العقيدة الصهيونية لأجل إنشاء الكيان، لذلك شهد الكيان صعوداً منذ إنشائه عام 1948 حتى 1973....
الأجيال اللاحقة من الصهاينة فقدت دافع التضحية، الجيل الرابع الحالي لم يعش السنوات الأولى من إنشاء الكيان، وهو جيل همه أن يعيش ويستمتع بحياته...
نعم، لايكون الجيش قوياً بامتلاكه أعتى الأسلحة فحسب، ليس هذا هو الأهم، عندما تصبح نقطة ضعف الجيش أثناء خوضه حرباً ما عدم وقوع خسائر بشرية مهما كانت قليلة، يصبح الجيش مكبلاً عاجزاً مهما كانت قوته النارية، ولن يستطيع أن يربح أي حرب، وهذه هي حال الجيش الصهيوني الآن....
بعد حرب تشرين 1973 و حرب الاستنزاف 1974 بدأت الشكوك تساور الصهاينة، عقدة ماسادا عادت للظهور، هاجس البقاء، أو هاجس عدم الأمان، أو هاجس عدم الانتماء، أو ما احب أن أسميه ملخص لكل هذا الهواجس عقلية (الطفيلي)، نعم، لطالما حكمت الثقافة (الطفيلية) تفكير اليهودي، هذه الثقافة التي لم تغادر العقلية اليهودية حتى بعد إنشائهم الكيان، وبعد أن كان اليهود ينظرون إلى الكيان الصهيوني على أنه كيان نهائي، وذلك في نصف القرن الأول من إنشاء كيانهم، عاد اليهود إلى طريقة تفكيرهم المتجذرة في ثقافتهم، أنهم يتعاملون مع كل مجتمع على أنه (مضيف)، يتم استنزافه حتى النهاية........
الأزمة البنيوية العميقة التي يعيشها الكيان ليس لها من حل إلا حل وحيد، و حيد فقط، ألا وهو الحرب، نعم هذا خيار بين عدة خيارات أحلاها مر، المستويات السياسية والعسكرية والعقائدية في الكيان قد حشرت في الزاوية إلى تلك الدرجة أنه لامفر من الحرب لإنقاذ الكيان وإنقاذ الفكرة الصهيونية....
مع أن الكل يعرف، وخاصة المستويات العسكرية والاستخباراتية يعرفون أن هذا الخيار هو خيار محفوف جداً بالمخاطر، وقد تعجل نتيجته نهاية الكيان....
الحرب قادمة قادمة لا محالة، وقد صارت قريبة جداً، هذه الحرب ستكون ضد ايران، وسيخوضها محور المقاومة كله ضد الكيان، سورية وإيران وحزب الله....
والذي يعزز فرضية الحرب كثيراً، ان هذه الحرب يحتاجها الكيان الوهابي كما يحتاجها الكيان الصهيوني، فالكيان الوهابي أنشأ في سياق دور وظيفي، ألا وهو الحفاظ على الكيان الصهيوني، هذان الكيانان إما أن يبقيا معاً أو يسقطا معاً....
الحرب قادمة قادمة، وساحتها قد تم تحهيزها، لاحظوا أنه وفجأة بدأت تصطلح العلاقات السعودية - التركية، السعوديون هم من أنقذ الاقتصاد التركي من التدهور أكثر، عندما ضخوا خمسة مليارات دولار في المصرف المركزي التركي، ولن يشعر أردوغان بأي ذنب إن غدر بإيران في هذه الحرب، فهو لطالما تعود الغدر، لاسيما إن كان هذا الأمر يساعده على ربح الانتخابات الرئاسية القادمة.....
يؤمن المستوى الثقافي والعقائدي في الكيان، أن الكيان الصهيوني هو المحاولة الثالثة لليهود لإقامة (دولة)، وان هذه المحاولة هي المحاولة الأخيرة، ولن تكون هناك محاولة رابعة....
الحرب قادمة، وقد باتت قريبة جداً، لانه ليس من المعقول أن يكون العالم مشتعلاً، ويبقى الشرق الأوسط هادئاً، وتذكروا أن دخول الكيان الصهيوني عقده الثامن تزامن مع إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة F 16 كانت تعتدي على الأراضي السورية، وتم إسقاطها فوق الجليل....