كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ثقافة التفاهة

باسل علي الخطيب- فينكس

أكنتم تظنون أن تلك الصرعات (والتقليعات) التي تهطل علينا عبر مجارير العولمة صدفة؟....
اتظنونها مجرد (موضة) وحسب؟....
هذا كي للوعي بطريقة بطيئة، و لكنها حثيثة، كأنها دبيب النمل، تسري في جسد المجتمع، دون أن ننتبه إليها، لتنتهي إلى ثقافة غريبة عنا، ولكنها ستكون واقعاً سيفرض نفسه وبقوة، وهذا سيكون نتاجه منظومة ثقافية وأخلاقية جديدة ، ستؤدي إلى حالة انفصام خطيرة ومدمرة....
تناديه أمه و هي بجانب الغسالة قائلة، تعال أخبرني أيهما بنطالك و أيهما بنطال أختك.....
تتأملهم و تتأمل تسريحاتهم و لباسهم، و تحار تحت أي تصنيف تضعهم، تكاد تطلب الهوية للتأكد.....
ليست القضية أن ذاك البنطلون سالت، إنما ذاك البنطلون قد سلت و سلت معه كل شيء، ما عادت المؤخرة خطاً أحمر، ماذا يتبقى بعد أن تبان المؤخرة؟!..... بالمناسبة ذاك الخط الاحمر قد سقط، كما سقط معه الكثير من الخطوط الحمراء الأخرى، بدءً من غرناطة، وصولاً إلى لقمة الخبز....
لاحظوا تلك المفارقة، الكل تقريباً ذو شوارب و ذقون، نعم، ما عاد هناك من شيء يدل على الذكورة إلا تلك الشوارب و الذقون، أنا ما عدت اتحدث عن الرجولة، هذا كلام قد عفا عليه الزمان، على فكرة ألم تلاحظوا أن هناك تناسباً عكسياً بين تلك الذقون المشذبة بإتقان وبين الذكورة؟...
لم أستهن يوماً بالقوة الناعمة لبعض الدراما، هل تستطيعون أن تنكروا أن جبل شيخ الحبل من مسلسل الهيبة، قد صار قدوةً وامثولة لأجيال من الشباب و المراهقين، شكلاً وتصرفات؟؟... تلك الدراما ليست متعة وتشويق فحسب، هذا هو غلافها أو ظاهرها الجميل، هناك تدمير ممنهج لمنظومة قيمية بالكامل، لأنك لاتستطيع أن ترسخ منظومة قيمية جديدة إلا على أنقاض القديمة، على فكرة يأتي في هذا السياق مسلسل باب الحارة، والدراما التركية، وكل المسلسلات الكرتونية الحالية....
تقارن بينهم و بينهن تصرفاً و شكلاً، و لا تكاد تجد فوارقاً واضحة، ليست القضية أن إياهن قد استرجلن، المصيبة أن إياهم قد تأنثوا، تأنثوا وتأنثوا حتى أنسوا ذلك....
هناك الكثير من الملاحظات من حولنا تدل على أننا على مايبدو قد دخلنا متاهة مظلمة، هذا أمر خطير أن تضيع الحدود بين الذكر والانثى، هذا يهدد بالإطاحة بأهم مقومات المجتمع، ألا وهي الاسرة، سبق وكتبت عن ظواهر قلما ينتبه إليها الجميع، وهنا تكمن المصيبة، أن الأغلبية صاروا يعتبرونها أمراً عادياً، كتبت مرة عن اندهاشي أنني رأيت في أحد المقاهي اربع فتيات يلعبن الشدة، مع ما يرافق لعب الشدة من صراخ وشتائم، ولم يكن هناك على الطاولة حيث اجلس أحد مستغرب أو مستهجن غيري، هذا أمر خطير بنظري، عندما تضيع الحدود، قد اكون دقة قديمة، ولكن هل تغير مفهوم الصح والخطأ؟... أخبروني، حتى أعيد (فرمتة) منظومتي القيمية......
نعم هذه ثقافة (التفاهة) تغزو ماتبقى لنا من أشلاء ثقافية وبقايا منظومة اخلاقية، استهلكتها تلك المياعة التربوية التي استجريناها عبر مجاربر العولمة....على فكرة أستطيع أن أفصل كثيراً فيما خص تلك المياعة التربوية، ولكن فهمكم كفاية....
لدى قناعة أن الموسيقا هي معيار مهم للحكم على ذائقة الشعوب، وبالتالي على اخلاقها، والموسيقا التي أقصدها هنا بالدرجة الأولى هي الإنتاج الغنائي، وعطفاً على ذلك يصبح المطربون والمطربات هم القدوة والمثال في المجتمع، شكلاً وتصرفات، وهذا ليس عندنا فحسب، بل في كل مكان في العالم، سمعت في الأيام المنصرمة من قبل بعض طلابي بعض الكلام عن المدعو (سيلاوي)، بحثت لأعرف من هو، تبين لي أنه مطرب أردني، استمعت لأغانيه لأعرف سر تلك الشعبية الجارفة التي لديه، أغاني ذاك الكائن تشبه ذاك البنطلون السالت إياه، لا صوت و لا لحن و لا كلمات، تحركات وتصرفات ذاك الكائن على المسرح تشبه ذاك البنطال المشقق، يظهر من العيوب والشناعة أكثر مما يستر..... ولكن هل نستطيع أن ننكر شعبيته الجارفة وشعبية أمثاله - وهم كثر- بين جيل المراهقين؟....
نعم أيها السادة، هذه أموالنا رُدت إلينا، كم من مرة طالبنا وطالبنا أن يعود المكتب العسكري إلى المدارس؟ كم من مرة طالبنا أن تعود الطريقة القديمة في التربية؟ كم من مرة قلنا أن الرخاوة لاتصنع رجالاً؟ وكان الجواب، اسكت يا متخلف...
كم من مقال طالبنا فيه بالتشدد باللباس المدرسي، القضية ليست مجرد شكل فحسب، وذاك التدريب ليس فك البارودة وتركيبها فحسب، القضية كانت ومازالت اعادة ترسيخ منظومة قيمية كانت الصح وستبقى هي الصح، ونحن الآن بأمس الحاجة لها للحفاظ على البقية الباقية من تماسك المجتمع....
أحقاً لاترون المآل الذي وصلناه؟...جربتم وجربتم وكانت هذه هي النتائج، ألا يستحق منكم ذلك التوقف والتفكر في البديل؟.. أهؤلاء حقاً سيكونون أباء وأمهات المستقبل؟.... أهذا هو مستقبل هذا البلد؟....
بالله عليكم، أين أنتم أيها الرفاق؟ نحن لانطالبكم بشيء على المستوين السياسي والاقتصادي، ولكن أقله على المستوين التربوي والثقافي، أين أنتم من كل هذه الفواجع؟ ام أن مهمتكم نقتصر على عقد المؤتمرات والاجتماعات والاستقبالات وتسيير الباصات؟......
لا أعرف كيف اختم هذه الكلمات، لا أجد الكلمات المناسبة، لذا سأختار أسهلها...... آآآآآآخ....