كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مونديال النفاق.. المونديال الأخير...

باسل علي الخطيب- فينكس

"إن منح قطر حق استضافة كأس العالم كان خطأ كبيراً اتحمل مسؤوليته أنا"....
هذا كان تصريح جوزيف بلاتر الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا، بلاتر إياه لم يخبرنا كم كان قد قبض ثمن ذاك الخطأ، على فكرة بلاتر تمت إزاحته من موقعه بسبب قضايا فساد كبيرة...
هل يمكن أن يكون ذلك صحوة ضمير؟... لا أعتقد ذلك، يبدو أن بلاتر يستثمر مع من يستثمرون، ويحتاج من القطريين أن يعيدوا ملئ رصيده البنكي....
لا  أعتقد ان الشركات الأمريكية المختلفة كانت لتربح أكثر لو أن الولايات المتحدة كانت ستستضيف كاس العالم 2022....
في عام 2010 ربحت قطر التصويت أمام الولايات المتحدة على حق استضافة كأس العالم 2022، بواقع 14صوت ضد 10 أصوات...
تكاد تكون مزحة سمجة، لكنها حقيقة، ولكن تأملوا قليلاً، لو أن أمريكا نالت حق الاستضافة، لكان حجم الأعمال التي ستقوم بها الشركات الأمريكية وبالتالي الأرباح قليلا، كون أمريكا تمتلك كل مايلزم لاستضافة الكأس، من ملاعب وبنى تحتية، لاسيما أنها سبق واستضافتها عام 1994، لاحظوا حجم الأعمال الهائل الذي تم تنفيذه في قطر من ملاعب وبنى تحتية، والذي ذهب تنفيذ أغلبها لشركات امريكية...
قطر كانت قد أعلنت أن المونديال قد كلفها 220 مليار دولار، هذا المبلغ يتفوق بثلاث إضعاف على كلفة كل المونديالات السابقة، جنوب افريقيا تكلفت على مونديال 2010 ثلاثة مليارات، وكان صافي ربحها 7 مليارات، صافي ربح البرازيل عن مونديال 2014 كان 17 مليار، قطر ستجني من المونديال 20 مليار دولار بهامش خسارة 200 مليار....
الكلفة أعلاه 220 مليار دولار هي الرقم المعلن، وهي أقل بكثير من الكلفة الحقيقية، على مدى 12 عام أو اكثر، وقطر تدفع وتدفع الرشى حتى نالت حق الاستضافة، ولكي يبقى عندها هذا الحق، أنا لا أتحدث عن بضعة عشرات من الملايين التي دُفعت لمسؤولي الاتحادات المختلفة الذين صوتوا للملف القطري أو المسؤولين الذين دعموا الملف، والذين تساقط أغلبهم وأقيلوا، وبعضهم يحاكم في فضائح ازكمت الانوف، و تفاقمت إلى درجة إقالة رئيس الفيفا جوزيف بلاتر ورئيس الاتحاد الأوروبي ميشيل بلاتيني...
أنا لا أتحدث عن تلك الملايين، تلك ليست إلا قروش دفعتها قطر، أنا أتحدث عن مئات المليارات من الدولارات التي وظفتها قطر في الدول الفاعلة في الفيفا على شكل استثمارات، ليس لقطر منها أي ارباح، وهذا ليس كلامي، ويمكن في لحظة واحدة للدولة المعنية أن تضع يدها عليها، خذوا على سبيل المثال نادي تشيلسي اللندني، ما أن بدأت الحرب في أوكرانيا حتى وضعت الحكومة البريطانية يدها على النادي المملوك لرجل الأعمال الروسي رامان ابراهوميتش صديق بوتين، في عملية خالفت كل قواعد الاقتصاد الليبرالي الذي يدعي الغرب دعمه...
وظفت قطر صاغرة مئات المليارات في مسعاها اعلاه، في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واسبانيا وإيطاليا، يأتي في هذا السياق شراء نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، والذي لعب ميشيل بلاتيني والرئيس الفرنسي السابق ساركوزي و زوجته الجميلة كارلا بروني دورا كبيرا في إتمام صفقته.....
خلال العشرين سنة الماضية، تغيرت بعض المبادىء الجيوسياسية على مستوى العالم، صار المال ومواقع التواصل الاجتماعي لاعبين حيوسياسيين مؤثرين جدا...
لم يكن أحد يتصور أن المال يمكن أن يكون لاعباً حيوسياسياً على هذه الدرجة من التأثير، أنا أقول المال وليس الاقتصاد، وأنه قد يكون أحدى أدوات القوة الناعمة....
أمريكا تتحكم بالخليج، أنها توظف تلك الدول البنوك كقوة ناعمة في أماكن كثيرة من العالم كاستثمارات، سواء كان ذلك في الأقتصاد الاستهلاكي أو الإعلام أو الرياضة أو الإرهاب...
لاحظوا أن أغلب الاستثمارات الخليجية ليست في الصناعات الاستراتيجية، إنما في القطاع الخدمي الاستهلاكي، مطاعم، فنادق، بنوك، دور ازياء، سلاسل مولات.....
منذ تولي البرازيلي جو هافيلانج رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم في بداية سبعينات القرن الماضي، واللعبة تحولت إلى تجارة، لم تعد اللعبة هي تلك الكرة الجلدية التي يتقاذفها اللاعبون ويستمتع بمشاهدتهم الملايين، إنما تحولت إلى بيزنس، وككل تجارة فيها الكثير من النقاط السوداء والأمور المشبوهة والصفقات من تحت الطاولة...
خذوا على سبيل المثال الجوائر، الجوائز في كرة القدم وخاصة الكرة الذهبية الاوروبية صارت تمنح على أساس تسويقي بحت، وليس لمن يستحقها وفق معايير الكرة الذهبية نفسها،مرة أخرى لايعرف التاريخ عصرا كان المال إلى هذه الدرجة هو كل شيء....
طبعا الأمر لا يقتصر على جائزة الكرة الذهبية فحسب، جائزة نوبل للأدب والسلام هي الحائزة الاكثر تسييساً على مستوى العالم، ولكن التسييس هناك تسييس فكري ثقافي عنصري....
عامي 2013 و 2014 لم يكن يستحق كريستيانو رونالدو الكرة الذهبية، عام 2013 كانت يجب أن تذهب الى الفرنسي فرانك ريبيري لاعب بايرن ميونيخ، و عام 2014 كانت يجب أن تذهب الى أحد لاعبي المنتخب الألماني الفائز بكأس العالم، وهذه كانت العادة دائماً، أنه في عام كأس العالم ينالها أحد لاعبي المنتخب الفائز بالكأس، لذلك تفوق المدافع الايطالي كانافارو على زيدان ورونالدينو الأكثرا موهبة عام 2006....
في عامي 2010و 2012 لم يكن ليونيل ميسي يستحق الجائزة، في عام 2010 كانت يجب أن تذهب الى تشافي نجم المنتخب الاسباني الفائز بكأس العالم في ذلك العام، وفي عام 2012 كانت يجب أن تذهب الى انيستا نجم المنتخب الاسباني الفائز بكأس أوروبا عام 2012 واحسن لاعب في تلك البطولة....
كان من مصلحة الماكينة الدعائية في الفيفا ومن يستثمر في الفيفا وفي كرة القدم، أن يصنع من ثنائىة رونالدو - ميسي ماكينة هائلة لصناعة المال....
الأمر لم يقتصر على الجوائز فقط، هناك الكثير من الحوادث التي تدل على أن نتائج مباريات كرة القدم لاتقررها أرضية الملعب فحسب، في كأس العالم عام 2018 وفي مباراة نيجيريا والأرجنتين وقد كانت نتيجة المباراة 2-1 لصالح الارجنتين، ونيجيريا تحتاج التعادل فقط للتأهل، كانت هناك ضربة جزاء واضحة من لمسة يد أوضح لنيجيريا، ورغم العودة اللفار لم يقرها الحكم، فلم يكن من مصلحة الفيفا أن يخرج ميسي من الدور الاول....
في عام 2009 ومن لمسة يد واضحة على اللاعب الفرنسي تيري هنري سجلت فرنسا على جمهورية ايرلندا وتأهلت لكأس العالم، فليس من مصلحة الفيفا أن تغيب فرنسا عن الكأس... هذه بضعة أمثلة وهذا موضوع يطول الحديث قيه، وأستطيع كتابة مجلد كامل حوله، وانا أكاد احفظ تاريخ كرة القدم العالمية تقريباً.....
نعم كان هناك تدخل للسياسة في الرياضة على وجه العموم وفي كرة القدم تحديدا سابقا، ولكن لم يكن على هذه الدرجة من الاتساع والوضوح كما هو الآن....
في عام 1986 تم منح جائزة الكرة الذهبية للاعب سوفياتي مغمور هو ايغور بيلانوف، وكان يستحقها أكثر الاسباني اميل بوتراغينو أو الإنكليزي غاري لينيكر، حيث أن الانجاز الوحيد لبيلانوف هذا في كل حياته الرياضية أنه سجل هاتريك في المبارة التي خسرها الاتحاد السوفياتي أمام بلجيكا في كأس العالم 1986 بنتيجة 4-3، وقد تم منحه الحائزة كرشوة وتشجيعاً لغورباتشوف وفريقه الحاكم وللشعب السوفياتي للمضي في البروسترويكا، التي قوضت الاتحاد السوفياتي لاحقاً..
في عام 1960 لم يتم منح الحائزة ذاتها للاعب المجري الفذ بوشكاش، لأن كل الصحفيين من الكتلة الشرقية لم يصوتوا له، كونه انشق عن النظام الشيوعي في المجر وخرج هارباً من بلده بعد أحداث بودابست عام 1956، ودخول القوات السوفييتية العاصمة المجرية...
كرة القدم لم تعد تلك اللعبة النظيفة، نعم، مازالت تمتلك الامتاع، خاصة مع كل البهرجة والزركشة الإعلامية التي ترافق المباريات، ولكن خلف هذا القناع هناك الكثير من البشاعة...
تلك البنى التحتية والملاعب في قطر قامت على دموع ودماء وحقوق عشرات الآلاف من العمال الفقراء البنغال والهنود والباكستانيين، هؤلاء الذين تمت معاملتهم كعبيد القرون الوسطى حرفياً، أو كمزارعي القطن الأمريكية الأفارقة ، 6500 عامل قضوا نحبهم في ظروف العمل السيئة واللانسانية في قطر، و مرة أخرى اشترت قطر صمت العالم، وان كانت هناك بعض التقارير الحقوقية الخجولة...
المضحك المبكي فيما خص هذه الكأس أن قطر تروج عبر ماكينتها الإعلامية الهائلة، أن هناك من يتآمر عليها لأنها حققت الانجاز و تستضيف هذه الكأس، ويريدون تشويه سمعتها، وتحيل هذا التآمر أنه تآمر على العرب والمسلمين، وان المقصود هؤلاء وليس قطر تحديدا، يتغنى الكثيرون بما تفعله قطر من خطوات لإظهار عظمة الاسلام خلال هذه البطولة، من خلال اجراءت تتخذها على طول أماكن إقامة البطولة لاداعي لسردها، هل سمعتم بالذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟؟.. هذه هي قطر، قطر فعلت خلال العشرية الاخيرة، كل مايمكن فعله لتشويه الاسلام والأضرار به...
هل تعرفون أن قطر تمنح جائزة للشفافية ومحاربة الفساد؟؟!! وأنها تمنح جائزة عن حقوق الانسان؟؟، ماقلته ليس مزحة بلا لون أو طعم.... على فكرة هناك قبيلة كاملة في قطر هي قبيلة الغفران يبلغ تعدادها ثمن سكان قطر محرومة من كل حقوقها؟؟.... لأنها عارضت انقلاب حمد والد تميم على جده عام 1996, حتى أن بيوتهم يُمنع أن تصلها الكهرباء...
ألم أقل لكم أنه مونديال النفاق.... أما بالنسبة لقولي أنه المونديال الاخير، فذاك حديث آخر.....