كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الممانعة الإدارية!

زياد غصن- فينكس:

تم إيفادي في العام 2005 لحضور دورة تدريبية في صحيفة الأهرام المصرية لإعداد مدربي محررين اقتصاديين.

الدورة، التي استمرت خمسة أيام، تضمنت حوارات مع بعض الشخصيات الاقتصادية المصرية، كان من بينها حوار مع شاب في الثلاثينات من العمر يشغل آنذاك منصب وزير الاتصالات.

في حواره مع المتدربين، الذين كانوا ينتمون إلى معظم الدول العربية، أشار الوزير المصري إلى أن حكومته تقدم للمواطنين 35 خدمة عبر شبكة الإنترنت، حيث يتقدم المواطن بطلب للحصول على إحدى تلك الخدمات عبر شبكة الإنترنت، وبعد مضي فترة زمنية قصيرة يتوجه ذلك المواطن إلى المؤسسة المعنية لاستلام خدمته أو تصله عبر البريد المسجل مقابل رسم معين.

اخترت هذه الحادثة التي مضى عليها أكثر من 16 عاماً وسردها إعلامياً لسببين:

السبب الأول، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإدارية في مصر قبل حربنا الكارثية، كانت متشابهة إلى حد ما مع أوضاعنا، وهذا ما يفسر الاستعانة المتكررة بالتجربة المصرية في كثير من المجالات، لاسيما في الجانب التشريعي..

-السبب الثاني، أن معظم الدول اتجهت مباشرة في استثمارها لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى إلغاء احتكاك المواطن مع الموظف، وإن كان هناك من احتكك فهو في الحد الأدنى. في حين أن التجربة السورية، والتي جاءت متأخرة مع نهاية العقد الأول الماضي، اختارت تأسيس مراكز تتيح للمواطن مراجعتها والحصول على بعض الخدمات والوثائق الرسمية.

ما حدث لاحقاً، أن الازدحام الذي كان يحصل في بعض المؤسسات الحكومية، انتقل إلى هذه المراكز لأسباب عدة، أبرزها محدودية انتشار هذه المراكز وتجميع عدة خدمات فيها، فكان القرار الحكومي بزيادة عددها وتوسيع رقعة انتشارها الجغرافي، رغم أن المنطق كان يفرض أن يتركز الاهتمام الحكومي على إلغاء التواصل الفيزيائي بين المواطن والموظف، ليحل محله التواصل الافتراضي، وما يعنيه ذلك من توفير مبالغ كبيرة تنفق على إحداث المراكز المذكورة من جهة، ومعالجة ظاهرة الازدحام بشكل جذري من جهة ثانية. تماماً كما فعلت وزارة النقل. وهذا أيضاً ما حصل مؤخراً مع إطلاق خدمة الحصول على بعض الوثائق الرسمية إلكترونياً.

في العقلية الإدارية السورية هناك دوماً ممانعة واضحة عند تطبيق الأفكار والتجارب الجديدة، وإن اضطرت للتنفيذ، فيكون مقيداً أو شكلياً أو منقوصاً..

لاحظوا معي تجربة النافذة الواحدة في العديد من الجهات العامة، والمفترض أنها وجدت لاختصار الوقت والجهد والمال، لكن عملياً فإن العديد من هذه الوحدات تفتقد إلى الصلاحيات الكاملة ومضطرة للالتزام بالكثير من الإجراءات الإدارية والروتينية...

فمثلاً... تجربة النافذة الواحدة في هيئة الاستثمار، والتي عوضاً عن تحولها إلى جهة مفوضة بصلاحيات الوزارات والجهات العامة، هي منذ سنوات ما قبل الحرب مجرد مكتب يتلقى طلبات المستثمرين ليحولها ممثلو الجهات العامة في النافذة إلى إداراتهم الرئيسية لإبداء الرأي!!

وأنا طرحتُ هنا أمثلة عملية متعلقة بيوميات العمل الحكومي، إنما الأمر نفسه بالنسبة إلى المشروعات الاستراتيجية، ولعل مشروع إصلاح القطاع العام خير دليل على جمود هذ العقلية ومقاومتها للإصلاح والتغيير.

لذلك لا أمل إلا بتغيير هذه العقلية الإدارية، وهي خطوة من شأنها حسم ملفات كثيرة في عدة مجالات, ملفات تستهلك طاقة البلاد وإمكانياتها، وتشكل بيئة مناسبة للفساد والإفساد.