كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

 بعقل إداري... لا اقتصادي!

 

خاص فينكس- زياد غصن:
 
نجحت الإجراءات الأخيرة التي اتخذها المصرف المركزي، في إعادة سعر صرف الليرة إلى ما كان عليه قبل الإنخفاض الكبير الذي تعرض له، لكن هذا التحسن الواضح في سعر الصرف، لم ينعكس، كما يفترض، على القوة الشرائية للمواطن! التحسن في سعر الصرف كما التراجع، يزيد من حتمية إجابة السلطات الاقتصادية والنقدية على سؤالين لا مفر من طرحهما حالياً: الأول- ما مصير أو مستقبل الإجراءات التي لجأ إليها المصرف المركزي لتحسين سعر الصرف في مواجهة أعمال المضاربة، لاسيما وأن بعض الإجراءات لا يمكن الاستمرار بتطبيقها إلى ما لانهاية، كتقييد عمليات السحب اليومية من المصارف، ونقل الأموال، وغير ذلك؟ والثاني- لماذا لا ينعكس التحسن في سعر الصرف سريعاً على القوة الشرائية وعلى أسعار السلع والمواد المطروحة في السوق المحلية، كما يحدث عند الانخفاض؟
في الإجابة على السؤال الأول، علينا أن نميز بين الإجراءات المتخذة، فالجزء الأكبر من الإجراءات كان ذا طابع إداري وليس اقتصادياً، وهذا كما يردد دوماً الدكتور الياس نجمة هو جوهر المشكلة الحكومية، التي تتعامل مع المشكلات والقضايا الاقتصادية الراهنة بعقل إداري، وليس بعقل اقتصادي..! إذ ما فائدة استمرار حبس السيولة في المصارف، إذا لم يُعالج السبب الجوهري للأزمة الاقتصادية، والمتعلق بمشكلة العجز المتزايد للموازنة العامة للدولة؟! وما فائدة استمرار الحد من نقل "الكاش" بين المحافظات، إذا لم توقف الحكومة بمؤسساتها المختلفة "صب الزيت" على نار التضخم في البلاد عبر رفع أسعار خدماتها ومنتجاتها؟! وما فائدة الاستمرار في قرار حصر عمليات بيع العقارات والسيارات عبر المصارف، إذا كانت مئات المليارات من الليرات لاتزال تجد طريقها سنوياً إلى قطاع العقارات والبناء على حساب القطاعات الإنتاجية الأساسية؟ وما فائدة الاستمرار بملاحقة الصرافين غير المرخصين، إذا كانت السلع والبضائع المهربة لاتزال تغزو أسواقنا وبكميات كبيرة؟
أما النوع الثاني من الإجراءات التي جرى اتخاذها، فهي عبارة عن إجراءات "تصحيحية" منطقية كان يفترض اتخاذها منذ عدة أشهر، من قبيل قرار تسليم التجار والصناعيين حوالاتهم الخارجية بالعملة المرسلة بها، رفع سعر الصرف الرسمي، وكذلك رفع السعر الخاص بالحوالات الخارجية التي تسلم للمواطنين بالليرة وغير ذلك. لكن يبقى الرهان على الإجراءات الاقتصادية التي لاتزال خارج الأولويات الحكومية، وفي مقدمتها معالجة مشكلة التمويل بالعجز، زيادة إيرادات الخزينة العامة بعيداً عن رفع المؤسسات العامة لأسعار خدماتها ومنتجاتها، زيادة حجم السلع المنتجة محلياً وضمان تدفقها إلى الأسواق المحلية والخارجية، وغير ذلك. مثل هذه الإجراءات "الاقتصادية"، ستكون كفيلة بتحقيق استدامة حقيقية لاستقرار سعر صرف الليرة، وذلك من خلال زيادة عرض السلع والمنتجات المحلية، زيادة كميات القطع الأجنبي الداخلة إلى البلاد، وتخفيف الطلب المحلي على القطع الأجنبي مع زيادة الثقة بالعملة الوطنية، وهذا بخلاف الإجراءات الإدارية والأمنية والتي جُربت سابقاً مع بدايات الضغوط على سعر الصرف منتصف العام 2013 وما بعد... ولم تفلح سوى لحظياً.
لا تحتاج الإجابة على السؤال الثاني إلى كثير تفصيل، فما دام هناك شعور أو خوف لدى الحلقات الإنتاجية والتجارية من تذبذبات محتملة لسعر الصرف، فإن انعكاس التحسن في سعر الصرف على أسعار السلع والبضائع يتطلب زمناً ليس بالقليل... أو يتطلب اطمئناناً اقتصادياً. طبعاً أنا هنا لا أبرئ بعض التجار والصناعيين من مسؤولية الدفع باتجاه المحافظة على المستويات السعرية المتحققة عند أي تراجع لسعر الصرف، إنما ذلك سببه، ليس كما يشاع إعلامياً، "جشع" هذه الحلقات، بل فقدان المؤسسات الحكومية المعنية لمنظومة عمل ومعلومات تتيح لها التدخل في الأسواق المحلية بما يضمن استقرارها من جانب، والحد من عمليات الاحتكار والاستغلال التي شاعت خلال سنوات الحرب من جانب ثان.
إذاً.. لا مفر حكومياً من العمل على مجموعة سياسات وإجراءات اقتصادية متكاملة تنفذ إلى جوهر المشكلة الاقتصادية. صحيح أنها لن تحمل معها كل مفردات الحل، إلا أنها ستكون كافية للحدّ من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتحقيق بعض التحسن... وإن كان المطلوب أكثر من ذلك لوقف زحف الفقر.