كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عندما يصيح الحذاء بأي ذنب أُُضرب

باسل الخطيب- فينكس:
في هذا الزمن الراقص فوق جراح الجوعى والمتألمين بصمت مكابر، ولأسباب خنفشارية تتعلق بالعولمة الفذة، بات (التشخلع) بأنواعه العدة ظاهرة متجذرة ومتجذرة جداً... نعم أيها السادة، تأملوا معي كيف تتساقط فوق رؤوسنا وعبر ثقوب غربال العولمة كل أشكال الترهات المغطسة بشوكولا الحرية الزائقة.

وكما هو معروف كان (التشخلع) سابقاً يعتبر مذمةً، ولكن في هذا الزمن، حيث ماكياج الوقاحة يغطي بطبقة سميكة وقبيحة كل ماحولنا من وجوه الحياة، أصبح (التشخلع) هو الموضة السائدة، و أضحى (المتشخلعون) و(المتشخلعات) هم أبطال هذا الزمن، أصبحوا سادة الشاشات وضيوف المجلات وملوك القعدات و أساطين المنابر.
وانتشرت عدوى (التشخلع) في مجتمعاتنا كانتشار الجرب في قطيع من الماعز، وكان من تجلياتها العبقرية تسطيح مفهوم الحربة، ليصبح التحرر هو حصراً التحرر من الأخلاق أو من بقية تلك العقل التي فينا، لتطارد غربان البشاعة وبوم التشخلع كل ماهو جميل وأصيل.. نعم تؤكد كل أشكال الانحطاط والفحش و البلاغة التي نشاهدها ونسمعها يومياً أن التشخلع بألف خير، وأن المستقبل الغني المشرق هو حصراً للفلاحة في حقول التشخلع.
أصبح التشخلع ماركة هذا العصر، و أصبح العري الأخلاقي والعقلي من ملازمات أي أمر حتى يبان ويظهر، مثل لزوم البصل بجانب المجدرة..
ترى إحداهن في إحدى فيديو كليباتها تتلوى وتتمايل مع كل تلك الميوعة الشنيعة الكاذبة، تلك الميوعة الرخيصة التي تصل حد الاستفزاز، ناشرةً على الشاشة المساحات اللامحدودة من البطن والخصر و السيقان و الأرداف، ولاتنسى في خضم انبطاحها وانزلاقها أن تنادي الحبيب "بص عليا بص"، حيث تعلن وبكل صراحة أن همها الأساسي في الحياة أن تأكل وتشرب وتتشخلع، طبعاً مع مقصوف الرقبة الحبيب إياه ورفاقه.
تتحفنا إحدى القنوات ببرنامج (أنت تسأل والإسلام يجيب)، وهناك الكثير على شاكلة هذا البرنامج على الكثير من القنوات... ألهذا الحد تصل الوقاحة؟ قولوا (أنت تسأل و أنا أجيب)، لاتحشروا الاسلام في ترهاتكم، أحقاً يمكن أن يصل (العقل) التأسلمي إلى هذه الدرجة من الوضاعة؟.. أتراها التحميلة تفطر؟ أتراها إبرة الأنسولين تفطر؟ مضمضت فمي وبلعت قطرة ماء، هل يفطر ذلك؟.... هذا عدا الحديث عن الكحل ومعجون الأسنان والمسواك وقطرة العين والأذن وبخاخ الربو. يسأل أحدهم عن حكم مداعبة زوجته نهاراً... تسأل الناس وكأن الحلال أو الحرام ليسا واضحين، وكأن كتاب الله ليس بين أيدينا، وكأن الطريق إلى تلك الجنة لا يمر إلّا عبر شفتي ذاك الشيخ أو غيره، وكأن الله سبحانه وتعالى يتصيدنا وينتظرنا على كل صغيرة وكبيرة حاملاً سيفه.. و ذاك الذي يسأل أو غيره تراه يسأل عن حكم معجون الأسنان، ترى صفحته تعج بصور مشايخ القتل وفتاوى القتل والذبح، وترى صفحته تتصدرها أحاديث ابن تيمية وابن حنبل وابن القيم... أي تلافيف دماغ لديكم؟ لماذا تجعلون الإله علي قياس صغركم وترهاتكم؟..
فنان آخر قضى بالضربة التشخلعية على كل أشكال الرصانة، هذا الفنان يشترط على الفتاة التي يحبها ومنه عطفاً على كل بنات جيلها أن تكون تنورتها قياس ولادي – شبر ونصف –، كل ذلك في كلمات تندلق كسيل المهل على رؤوس المشاهدين, لتحرق أبراج المخ وفيوزات المخيخ وجذور البصلة السيسيائية..
المصاب الأكبر ليس أن يسأل أحدهم إن كان شطف المؤخرة يجعلك تفطر، المصاب الأكبر أن تجد ذوي عمامات يناقشون الأمر، وبعضهم يفتى بعد التمحيص والبحث أن ذاك يفطر، وبعضهم يفتي أن ذاك لايفطر، أي صحراء فكرية أنتم؟!
ولكي نثبت أننا قطعنا أشواطاً عظيمة في مضمار الحضارة والرقي عبر التقليد المتقن لكل همروجة وصرعة تتدفق علينا من بلاد (بره) كالسيل الجارف عبر مجارير العولمة الهادرة، وزيادة في إنماء الخيال التشخلعي، تستلقي إحداهن في (طشت) من الحليب وهي تناجي الحبيب بصوت أقرب مايكون إلى الخوار البليد أن يلعب ويلعب ويلعب، و لك – يامرحوم البي – أن تحزر مالذي تقصده بالضبط عندما تقول العب العب العب..
أكثر قنواتنا الفضائية إما دينية أو غنائية أو قنوات طبخ، أتحداكم أن تجدوا قناة تعنى بالعلوم والعلم.. لاتبحثوا، لن تجدوا.. أمة من الرعاع تسأل عن الشيء -أياً كان الشيء- إن كان حلالاً أو حراماً، قبل أن تسأل، كيف صُنع، أو كيف اُكتشف... أمة من الرعاع ماهمها غير (المبلع والمدفع).... أمة من المنافقين المنافقين. أستذكر في هذا السياق تلك الحادثة، أن جمعاً ممن شاركوا في معركة الطف، سألوا شيخاً، ماهو حكم قتل ذبابة في الحرم؟ فأجابهم الشيخ قتلتم ابن بنت رسول الله وقطعتم رأسه وتسألون عن حكم قتل ذبابة في الحرم؟!
(شقفة) أخرى، و امعاناً في تسويق الخواء والميوعة، تراها تتخلص من ملابسها تدريجياً أمام الكاميرا تماماً كعروض الستربتيز في كاباريه من الدرجة الثالثة، وهي تشط وتمط وتزم بشفتيها المحشوتين بالسيلكون والكلام الفاضي, وعندما تسألها عن سبب تعمدها الإثارة فيما تعرضه، تجيبك أنها تريد ايصال مشاعرها عارية وبالمعنى الحرفي إلى جمهورها.
قد يظن البعض أن سوق الأوراق المالية، أو سوق البضائع المختلفة، أو سوق الاكترونيات، هم اقوى الأسواق لدينا، لا أيها السادة، أقوى أسواقنا هو سوق الفتاوى والعرض و هما يتفوقان عندنا فيها على الطلب، فعندنا مفتين وفتاوى لكل شيء، مفاخذة الأطفال ونكاح الميتة ونكاح المحارم والغلمان و إرضاع الكبير.. وغيرها وغيرها، لاحظوا أن أغلب فتاوينا حول النكاح والطعام، ألم أقل لكم أن تلك الأمة من جاكرتا إلى طنجة هي أمة (المبلع والمدفع).
تصوروا أن يتفق الكل أن ليس وجوباً على الزوج علاج زوجته المريضة؟ و إن هذا لا يدخل في النفقة، ويوردون لذلك تفاسيراًـ وحججاًـ مضحكة، وكأن الزوجة للنكاح والنكاح فقط، هل تعرفون أننا وبفخر أكثر أمم الأرض استهلاكاً للفياغرا؟
أحد الفنانين الصاعدين وبقوة، يتراقص ويتمايل ولا كأنه "تحية كاريوكا" في عز مجدها معطياً معناً آخر للمساواة بين الرجل والمرأة، وايغالاً في المساواة إياها لم ينس صاحبنا استعمال الحمرة والماكياج والمساحيق ونتف وتشذيب الحواجب، ويافرحتنا في زمن الهباب أن يصبح هذا الفنان قدوةً لليافعين والشباب.
(ما يجوز ولا يجوز في نكاح البهيمة والعجوز) ،(إيضاح البيان في نكاح الصبيان) ،(الإفصاح عن عقد النكاح) (الوشاح في فوائد النكاح) ،(نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسمر) ،(الرد الصاعق على مجيزي الاكل بالملاعق) ،(ضجيج الكون من لبس البطلون)…....تسألون ماهذه العناوين؟ هذه عناوين كتب قد تم تأليفها من قبل أشخاص كتب قبل اسمعهم العلامة فلان... أحدهم وهو صاحب كتاب (الوشاح في فوائد النكاح) من تأليف شخص اسمه جلال الدين السوطي، وله كتاب آخر بهذا الموضوع استحي من ذكر عنوانه.. هل يحتاج الموضوع تعليقاً؟... أعتقد أن المفردات لن تفي الموضوع حقه..
قديماً قال أحدهم "لايجب انفاق الازدراء الا بحرص شديد لكثرة عدد المحتاجين اليه" ،ولكن أي ازدراء سيكفي هذا الجيش الجرار؟؟.. وأنا اقول: قد لا أكون اتمتع باي ذوق في أي مجال ولكني بالتأكيد أتمتع بالقرف..