كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من قضايا المواطنة- قضية الحرية

مروان حبش- فينكس

 مقاربة نحو تحديد مفهوم الحرية
إن لتحديد المفهوم أهمية رئيسة في وعيه وخوض غماره والعمل على تحقيقه، وإن قضايا الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع لا يستنفذ القول فيها، لأنها مفتوحة على كل الأزمنة، ومنتصبة على كل الأجيال وذلك لا يعني أن بعضها لم يصبح خارج التداول، غير أن هناك قضية معاشة إلى الحد الذي لا نستطيع معه العيش خارج وعينا بها، وخارج دفاعنا عنها، وخارج الإحساس بفقدها ألا وهي قضية الحرية، إنها قضية مصير نحاول السير على دروبها المليئة بالعثرات والتحديات وبدل أن نسلك نحو امتلاكها تُسَدُّ أمامنا، فنغدو بدل الاستمرار في السعي من أجلها، نراكم على ما مضى من تاريخ منشغلين بإزالة تلك العثرات والتحديات
تخص الحرية الإنسان العاقل وحده، وهي ميزته، وفي ممارستها يحقق أهم مكونات شرطه الإنساني في الوجود.
إن الحرية هي من أمهات القضايا الأصيلة، وأصالتها تتمثل في كونها حاجة ومطلباً إنسانياً، كما تتجلى في راهنيتها المستمرة، ويحرك التفكير فيها حق العقل في التشريع للواقع وتغييره ليكون لائقاً بكرامة الإنسان وجدارته لكونه حاملاً لمطلب الحرية، ودعوة إلى الممارسة الواعية، وكلما ازددنا تعمقاً وبحثاً بقضية الحرية، ازدادت غنى وثراء وحيوية.
إن الحرية بالمعنى السيكولوجي والأخلاقي، هي بالنسبة للفرد ومن وجهة نظر ذاتيته، إمكان أن يعمل ويقرر بتفكير مستقل، بالرجوع وحده إلى القيم الأخلاقية وبمسؤولية عن قراره، وذلك أمر يستلزم بالنسبة للإرادة ألاَّ تنساق إلى أن تكون متعسفة ولا مكرهة بفعل الضغوط الداخلية الصادرة عن الدوافع، والأهواء...
أما الحرية بالمعنى الفلسفي فإن أبلغ تعريف لها هو (وعي الضرورة)، وكان سبينوزا (1632- 1677) أول فيلسوف صاغ قضية الحرية والضرورة وبيَّن أن حرية أفعال الإنسان تتحدد بدرجة معقوليتها. وبعده عرفها هيغل بأنها وعي الضرورة وأن ممارستها ضرورة لاكتمال الشرط الإنساني في الحياة.
وإن لم يستطع ممثلو الاتجاهات الفلسفية العرب في نتاجهم الفلسفي صياغة أو إنتاج نظرية فلسفية للحرية، لكنهم تمكنوا من تلمس فكرة الحرية ومقاربتها، بأنها غاية رئيسة فائضة عن أي تحديد أو تَعيُّن، تقتضي من الإنسان أن يكون بمقاسها كي يحققها، وذلك يقتضي نضال وجهد متواصلين وبذل وتضحية على الدوام.
إن الحرية بوصفها تحرراً لانهائياً هي نظر وعمل، فهم وتغيير، يؤنسن العالم، بتحويله إلى عالم مجسد لقيمه النبيلة، ويمتلك فيه زمام ذاته وحياته ومصيره، امتلاكاً يعرب عن ذاته على مستوى المجتمع، جماعات وأفراد، في هيئة استقلال، وعدم تبعية لسلطة غاشمة تخضع البشر من خلال أساليب القهر السياسي والاقتصادي والحقوقي، كما يعرب عن ذاته في ممارسة الأفراد لحقوقهم الأصيلة، كحق الحياة الكريمة، وحق التفكير والتعبير واختيار المعتقد، وضمان هذه الممارسة هو نظام سياسي يستهدف العدالة الاجتماعية ، في إطار منظومة حقوقية، تسود سلطتها وهي سلطة الحق- الواجب، جميع أفراد المجتمع، وتستهدف تنظيم ممارسات الأفراد لحرياتهم عبر قوانين وآليات إجرائية تراقب و تحمي الحقوق الإنسانية من السلب والانتهاك.