كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الذهب العتيق.. العم أبو عارف

محمد صباح الحواصلي
كافنغتون 3 آب 2024
وكأني بابن المقفع كان يقصد العم أبا عارف عندما قال "مَنْ عَذُبَ لسانه كَثُر اخوانه".
من أين أدخل مقالي عن رجل له هذه الفوح في حديثه؟ والله أنا حائر. ولكن سأدع نفسي على عهدها تقطف ما يصادفها من أزهار خلال سبري لبستان هذا الرجل الحكيم الفاضل. فأنا كيفما قلبت ذهني متذكراً ومتفكراً أبا عارف أجد خصالا حميدة، وحكمة سديدة، وبراعة في الحديث قوامها التمكن والبساطة والتواضع.May be an image of 1 person
أراني الآن وأنا جالس قبالته في غرفة انتظار عيادة أبي، وكان يحدثني، وكنت أصغي إليه بإهتمام المريد لمعلمه، الواثق من أنه سيخرج من حديثه بما يفيده ويلهمه، مستمتعاً بما يحدثني، مستأنساً لكنته الشامية التي فتحت أبوابها ونوافذها للفصحى المبسطة.
كنت عندما أجد أبا عارف في عيادة والدي بعد الدوام، يتطارح معه الحديث، في جلسة يغلب عليها الهدوء، وحسن الاصغاء، وتتبعهما لآثار السلف والخلف. كنت أحكم ناظري بعيني أبي فاتلقى منه السماح لجلوسي معهما. وكان أبو عارف يلتفت إلي ويحدثني وكأنني ابن جيله في شؤون تهمني، وهو يعرف منها الكثير ولا سيما اهتمامي بالكتب والكتّاب والأدب والتاريخ. فأجده من فوره، وبهدوء، ودون افتعال، يشرع بحديث كنت أجد فيه المتعة والفائدة والاستئناس، كأن يحدثني عن مأثرة للرئيس شكري القوتلي، أو فارس الخوري، أو طرفه عن فخري البارودي، أو ابيات للشاعر شفيق جبري أو غيره.
العم مقبل الحواصلي، أبو عارف، هو ابن عم أبي وصديقه الحميم.. كان رجلاً إجتماعياً يفيض حكمة وحسن مدخل إليها وهو يخاطب مجالسيه. ويتجلى ذلك في نبرة صوته التي تدهشني حياديتها الهادئة. كانت الحكمة تجري على لسانه دون انفعال وتكلف وإظهار الرغبة في النصح والأخذ به، بل تتحدر بانسجام كالماء العذب في جدول صغير.
وكان مشاءً من الطراز الأول، يؤثر أن يقضي مشاويره سيراً على الأقدام؛ إيماناً منه أن المشي خير رياضة وفسحة للتأمل. كان يأتي من منزله خلف محطة الحجاز لزيارة أبي في عيادته بشارع بغداد مشياً، ودائماً يصل عند انتهاء دوام العيادة، لا قبله لكي لا يشغل أبي وليس بعده بحيث يكون أبي قد غادر عيادته إلى البيت.
دائماً دخول أبي عارف في الحديث معي يتسم بالبساطة والدلالة والمغزى، حديث لا تكلف فيه، جُبِل على الأريحية، وفيه جِدّة ومدعوم ببراعة وحسن اختيار للشواهد والقصص والسير.

رحمة الله عليك يا أبا عارف كم أنا بشوق ولو إلى ساعة واحدة من مجلسك الذي جعلني – أنا الصبي ثم الشاب ثم الرجل – أشعر بأنني لست في حضور من هو بمقام والدي فحسب، بل مع رجل جعلني أشعر على نحو عفوي بأنني صديق له، وهو صديق لي، على الرغم من أن فارق السن بيننا قرابة ثلاثين عاماً.