كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

محطّات في الذاكرة.. إعلام وسياسة.. حازم مبيضين

يتابع "فينكس" نشر محطّات في الذاكرة لأعلام سوريين وعرب.. هذه المحطّة, وهي الرابعة, يكتبها الكاتب والصحفي الأردني حازم مبيضين

إعلام وسياسة

بعد الانتهاء من كتابة الفقرات التالية بناء على طلب الصديق أُبي (حسن)، أتوقع التوسع بالتفاصيل عن مجمل تجربتي في الاعلام وأظنها تستحق التدوين، غير أن وعدي لأُبي يتحقق بنشر التالي:


كم تبدو مرهقة العودة نصف قرن إلى الوراء حيث بدأت علاقتي بالإعلام عام 1966، فور انتهاء امتحانات التوجيهي وقبل ظهور النتائج، كنت اعتدت قبلها على العمل "اللاعمل" في ورشات وزارة الأشغال العامة براتب نصف دينار يومياً، وكان واسطتنا أنا والصديق ضياء سالم والده الذي كان يرأس ديوان الوزارة، أما في تلك السنة فقد انتبهت إلى إعلان من الإذاعة عن حاجتهم لمذيعين وكانت الفحوص تجري كل يوم اثنين، تقدمت للفحص ونجحت وتم تعييني تحت التجربة والتدريب لمدة 3 أشهر براتب شهري مقداره 15 ديناراً، نجحت في التوجيهي وتقدمت لجامعة بغداد وقبل أن يصلني جوابها نجحت بعد التدريب فارتفع راتبي إلى 22 ديناراً وأعجبتني طبيعة العمل فصرفت النظر عن الدوام في الجامعه مع وعد لأبي بأن أدرس بالمراسله.
عام 69 تم اختياري مع الزميل المرحوم جبر حجات للعمل في إذاعة صوت الساحل التي كانت تبث برامجها من معسكر بريطاني في الشارقه وهناك تعرفت إلى إثنين من عمالقة الإعلام هما المستشرق البريطاني دنيس جونسون ديفيس الذي كان يشرف على الإذاعة والمرحوم رياض الشعيبي الذي كان يديرها، وكانت تعمل بنفس طريقة الاذاعة البريطانية، كنت أسكن دبي التي كانت تتفتح على العصر بهمة شيخها راشد بن سعيد، فتبني أكبر مطار وأحدث ميناء، قضيت هناك سنة بينما عاد زميلي جبر بعد شهرين، وحين عدت إلى عمان بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970 كانت بلدي تعبق بروائح البارود، وكان الدم طرياً، وكانت الإذاعة الأردنية صوتاً من النار ضد العمل الفدائي وكان ذلك سبباً دفعني أنا المتأثر بطروحات اليسار والمعجب بالثائر العالمي جيفارا للبحث عن سبيل آخر غير الانخراط في جوقة الكراهية التي لم تعد تعرف حدودا ولا تدرك إلى أين تقود جماهيرها.
جرى اتصال بيني وبين حركة فتح عن طريق شخص وثقت به, لكنه كان عميلا مزدوجاً وشى بي للمخابرات, فاعتقلتُ أثناء محاولتي للسفر إلى سوريا، لم أمكث في معتقل المخابرات أكثر من عشرة أيام حيث أفرج عني لأواجه الطرد من عملي وحظر أن أشغل أي وظيفة حكومية، وبعد فترة من الزمن سمح لي بالعمل في دائرة الثقافة والفنون في قسم التراث الشعبي، وبعد مرور سنة تحايلت للسفر إلى القاهرة بقصد العلاج، ومن هناك أعلنت انشقاقي حيث تزامن ذلك مع إعلان أربعة صحفيين أردنيين انشقاقهم من بيروت ورغبتهم بالسفر إلى ليبيا لتأسيس إذاعة معارضة للنظام الأردني, وقد تولى القيادي الفتحاوي المرحوم صلاح خلف "أبو إياد" عملية الوصل ما بيننا وبين السفارة الليبية التي وضعت شروطا غير مقبولة دفعت المجموعة للتفرغ على كادر إعلام فتح حيث سافرنا إلى القاهرة ملتحقين بإذاعة الثورة الفلسطينية التي كانت تبث برامجها من المقر السابق لصوت العرب في شارع الشريفين، وهناك تعلمت المزيد مع الطيب عبد الرحيم ونبيل عمرو وخصوصا العمل في الاذاعة الموجهة المتخصصة بالسياسة والتحريض.
بعدها سافرت إلى تونس لأشغل موقع مسؤول الإعلام في مكتب منظمة التحرير الذي كان يضم أربعة أشخاص تبين لاحقا أن أحدهم "عدنان ياسين" كان جاسوسا لاسرائيل، ثم انتقلت الى الجزائر لأكون مسؤول تنظيم فتح في عنابه وبعدها عدت إلى دمشق لأعمل بمعية القيادي الفتحاوي محمود عباس مديراً لجمعية الصداقة الفلسطينية السوفيتيه التي كان يرأسها، وعند إصابة المرحوم والدي بجلطة دماغية عدت إلى عمان بوعد من السلطات بالسماح لي بمغادرتها بعد المشاركة بتلقي العزاء، غير أن الوعد لم ينجز فبقيت عاطلا عن العمل إلى أن عينت في المكتب الفني للجنة الاردنية الفلسطينية المشتركه لدعم الصمود وهي المشكلة بقرار من احدى القمم العربية, وهناك قررت تطليق السياسة والاعلام فافتتحت سوبر ماركت خسر بجدارة لجهلي أصول العمل التجاري وضعف رأس المال، فتعطلت عن العمل إلى حين وذقت الفقر على أصوله قبل أن ألتحق بالعمل في صحيفة الرأي بعد رفع الاحكام العرفية وزوال عادة استمزاج دائرة المخابرات قبل أي تعيين في مؤسسة عامة.