كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

إضاءة على المفكر الفرنسي روجيه غارودي

محمود عبد الواحد

روجيه غارودي أو رجاء غارودي (بالفرنسية: Roger Garaudy)‏؛ (17 يوليو 1913 - 13 يونيو 2012 ) هو فيلسوف وكاتب فرنسي اعتنق الإسلام سنة 1982، متزوج من امرأة فلسطينية تدعى سلمى التاجي الفاروقي.
حياته
ولد في فرنسا، لأم كاثوليكية وأب ملحد. اعتنق البروتستانتية وهو في سن الرابعة عشرة، درس في كل من جامعة مرسيليا وجامعة إيكس أون بروفانس وانضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، وفي عام 1937 عُيِّن أستاذا للفلسفة في مدرسة الليسيه من ألبي.
خلال الحرب العالمية الثانية أُخذ كأسير حرب لفرنسا الفيشية في الجلفة بالجزائر بين 1940 و 1942. وفي عام 1945 انتخب نائبا في البرلمان، وصدر أول مؤلفاته عام 1946، حصل غارودي على درجة الدكتوراه الأولى سنة 1953 من جامعة السوربون عن النظرية المادية في المعرفة، ثم حصل على درجة الدكتوراه الثانية عن الحرية عام 1954 من جامعة موسكو.
طرد من الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1970م وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفياتي، وفي السنة نفسها أسس مركز الدراسات والبحوث الماركسية وبقي مديرا له لمدة عشر سنوات.
اعتناقه للإسلام
وبما أنه كان عضواً في الحوار المسيحي-الشيوعي في الستينيات، فقد وجد نفسه منجذباً للدين وحاول أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خلال عقد السبعينيات. وبدأ يميل إلى الإسلام في هذه الفترة.
في 2 يوليو 1982 أشهر غارودي إسلامه، في المركز الإسلامي في جنيف، وكتب بالمناسبة كتابيه «وعود الإسلام» و«الإسلام يسكن مستقبلنا». عرف الجمهور العربي والإسلامي غارودي لأول مرة بهذه المناسبة، فسطع نجمه في المؤتمرات والندوات وضيفاً في المنتديات، لكنه ظل عصيا على الاحتواء والاستحواذ، فأثار بذلك امتعاض وابتعاد الكثير من الدوائر الإسلامية عندما انتقد بشدة تيارات الفكر الإسلامي المعاصرة، معلناً أنه لم يتخلّٕ باعتناقه الإسلام عن جوهر المسيحية وكُنْه الماركسية.
حاول معمر القذافي استمالته في مشروع لنشر الإسلام في أوروبا، وتهجم بعض العلماء السعوديين عليه وكفّروه استناداً لبعض المقولات الفلسفية والصوفية التي لم يستوعبوها حسب قوله. فقاطع المنتديات الإسلامية، وانسحب بتجربته الدينية ومقاربته الخاصة للإسلام إلى مدينة قرطبة الإسبانية التي أنشأ فيها متحفاً يؤرخ للتراث الأندلسي ولتجربة التعايش النادرة بين أتباع الديانات السماوية في الأندلس.
وسبب إسلامه يعود إلى تاريخ 1941 عندما كان سجيناً في الجزائر من قبل النازية الألمان، وكان برفقة 500 مناضل قاموا بعصيان في السجن، فأمر قائد السجن حاملي الرشاشات (وقد كانوا من الجزائريين المسلمين) أن يطلقوا النار على السجناء، فرفضوا.. ولم يفهم روجيه وقتها سبب رفضهم، وبعد فترة علم من قائد جزائري مسلم أنّ{شرف المحارب المسلم يمنعه أن يطلق النار على انسان أعزل}
يقول: كان هذا التصرّف أول مرّة أتعرف فيها على الإسلام وعلّمني أكثر من الذي تعلمته في جامعة السوربون.. ويقول: لم أُسْلِم بمحض الصدفة بل بعد معاناة وبحث ورحلة طويلة...
معاداة الصهيونية
بعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان أصدر غارودي بيانا احتل الصفحة الثانية عشرة من عدد 17 حزيران 1982 من جريدة لوموند الفرنسية بعنوان معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان وقد وقع البيان مع غارودي كل من الأب ميشيل لولون والقس ايتان ماتيو. وكان هذا البيان بداية صدام غارودي مع المنظمات الصهيونية التي شنت حملة ضده في فرنسا والعالم.
فتحوّل بعد هذا الموقف من ضيف دائم على المحطات الإذاعية والتلفزيونية وأعمدة الصحف، إلى شخصية قاطعتها الصحف اليومية الفرنسية، فلم تنشر أي موضوع له.
في عام 1998م أدانت محكمة فرنسية غارودي بتهمة التشكيك في محرقة اليهود في كتابه «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل»، حيث شكّك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين. وصدر بسبب ذلك ضده حكم بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ.
فكره
ظلّ ملتزما بقيم العدالة الاجتماعية التي آمن بها في الحزب الشيوعي، ووجد أن الإسلام ينسجم مع ذلك ويطبقه. ظلّ على عدائه للإمبريالية والرأسمالية، وبالذات لأمريكا.
وفي كتاب الإسلام دين المستقبل يقول غارودي عن شمولية الإسلام:
«أظهر الإسلام شمولية كبرى في استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة، فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد وكان في قبوله لأتباع هذه الديانات في داره منفتحا على ثقافاتهم وحضاراتهم، والمثير للدهشة أنه في إطار توجهات الإسلام استطاع العرب آنذاك ليس فقط إعطاء إمكانية تعايش تماذج لهذه الحضارات، بل أيضا إعطاء زخم قوي للايمان الجديد: الإسلام، فقد تمكن المسلمون في ذلك الوقت من تقبل معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق وأفريقيا والغرب وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له، وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذي جعل الإسلام قويا ومنيعا.»
رغم وصف الصحافة الفرنسية والغربية لغارودي بالفيلسوف المعادي للسامية، فإن غارودي لم ينكر حقيقةً المحرقة، ولم يتبنَّ الدعاية النازية، بل أقر بحجم المأساة اليهودية وبحرب الإبادة النازية ضد اليهود. أراد غارودي أن يبين أن النازية من حيث هي نزعة عنصرية استعمارية لم تستهدف اليهود وحدهم، وإنما استهدفت شعوباً وقوميات أخرى. كان يقول إن أحداث المحرقة ضخمت وأعطيت أبعاداً أسطورية غير تاريخية، من أجل توظيفها في صراعات الحاضر. وإن المأساة اليهودية التي تمت بالكامل على المسرح الأوروبي وظفت لحجب حروب الإبادة وجرائم التقتيل والتهجير القسري التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
جوائز
نال جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1985 عن خدمة الإسلام وذلك عن كتابيه Promesses de l'Islam (وعود الإسلام) و L'Islam habite notre avenir (الإسلام يسكن مستقبلنا) ولدفاعه عن القضية الفلسطينية.
حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة قونية في تركيا سنة 1995.