قبول الاختلاف وإدارة التنوع
2024.05.29
معين حمد العماطوري- السويداء- فينكس
نشر المفكر الدكتور عاطف بطرس مقالاً في جريدة الأسبوع الادبي بالعدد رقم 1864 الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان "وحدة التنوع والاختلاف... نسيج النفس البشرية"، تطرق بها الى مواضيع متنوعة، والمقال فكري يحتاج الى سبر أغوار مدى قدرة العقل بتكوينه ومدركاته إدراك الاختلاف، والتنوع.
عمد المفكر بطرس إلى طرح مجموعة من الأفكار والرؤى التي من شأنها تحريك العقل باتجاه قبول الاختلاف، يقيناً ثابتاً بأن القوانين المتغيرة تتغير بتغيير سيرورة الحياة، وليس هناك ثابت في القانون إلا قانون المتغيرات.
من هنا وحدة التشكيل الفكري سواء أكانت قائمة على الأيديولوجيا، أو المقدس اللاهوتي للأنا، ترتهن في غايتها التمامية بالعلة الموجودة للعقل، بمنحها، هوية الاستمرار الزمكاني. وتقدم في اتساق معرفي منتجا عقليا، هو حصيلة مجموعة المعارف في عالم التضاد.
لعل د. بطرس انطلق من نسيج البشرية في وحدة التنوع والاختلاف، وأسقط ذلك على مكونات الحياة بسياقها التاريخي والموضوعي، وتطور العقل وتناميه، ضمن مساحة واسعة منه، وجعل تعدد الأنماط الفكرية الخاضعة لأشكال متعددة ضمن طبيعة البيئة والحركة والثقافة، انموذجا واقعيا، ربما جعل المستحيل يفرض نفسه، في التوصل إلى نتيجة تعدد الواحد والتشكيل الموضوعي، بعيدا عن المنتج.
من جهة ثانية الاعتراف والتوافق في المتعدد، هو نوع من التوافق البنيوي لطبيعة مجتمع الذي لم يولد بعد، إذ أننا نعيش جماعات على تشتت اختلاف البيئات الثقافية والسياسية والاجتماعية، ولا نستطيع التوافق على الاختلاف التنوع الموضوعي، وتحطيم هيكل المنظومة التاريخية التراثية... بسبب ذهنية العقل الثابتة المغلفة بالمقدس اللاهوتي، كسلطة.
إن طرح الرؤية الثاقبة في تطور البنية الفكرية بقبول الأخر والرأي المقابل، أو شعارات التسامح والديمقراطية، هي كلمة حق يراد بها باطل، بمعنى أن قبول الرأي، منح أحقية صواب الأول على حساب الآخر، وهذا ينفي حق الاعتراف، يقينا أن التغيير لا يكون في الفكر فحسب بل بالنتيجة وانعكاس التطور على الواقع المعيش، سلوكيا واجتماعيا واقتصاديا.
الذهنية التاريخية وارتباطها بعوامل السلطة العقلية القائمة على حركة المجتمع وسيرورة ثباته وفق قوانين موروثة ناظمة ثابتة، غير منسجمة مع تطور العقل وبنيته، جعلت من قانون الاختلاف والتنوع، شعار سياسي يتلاشى مع أروقة غبار الزمن الجارف واهتلاك مضامين تطور العقل بنيويا.
وحين نصل إلى قول د. بطرس:
"الفكر يقاوم بالفكر مادام فكراً لا يلجأ إلى الإكراه أو العنف، ولا يتحول إلى السلاح.. والفكر الإقصائي المغلق يجابه بمزيد من الانفتاح والأحادية في التفكير يقابلها التنوع في إطار الوحدة، والنجاح مرهون بملاءمة الأفكار لاحتياجات الراهن، واستحقاقات المستقبل، فالفكر الجيد يطرد الفكر الرديء، والجهل لا يمكن له أن ينتصر على العلم إلا إذا كانت حوامله متخلفة أو تتستر بطرحه على خلفيات مخفية تعمل على إعاقة انتشاره عملياً.
فن إدارة الاختلاف والتنوع هو الضمانة الوحيدة لحوارية الأفكار وتفاعل المفيد منها، والتخلص من الضار والهدام والمعيق للتطور". (انتهى قول د. بطرس).
إننا أمام مجموعة من الأسئلة المشروعة المنطقية التي تطرح ذاتها، المتجسدة في مدى قدرة قبول الاختلاف على حساب إدارة التنوع، وأهمية اللحظة الإبداعية في اكتشاف جمال المكون الإنساني، ولمعان بريقه بارتقاء العقل وتخليصه من شوائب الثابت التاريخي التراثي، ومنحه جرأة التخلص من الماضي الموروث، بإخضاع المقدس إلى المتغير الوجودي، وذلك من خلال إعادة مفهوم النص، وفق الزمن الآني وتقنياته، يمنح لدائرة المعارف العقلية ان تتوحد بتقديم منتج عقلي جديد يحمل ثقافة التعدد بالواحد.
إن ما توصل إليه المفكر د. عاطف بطرس يجعلنا أمام بناء شخصية جديدة في الفكر السياسي والاجتماعي والثقافي والأيديولوجي، ويفرض حس مسؤولية وطنية باعادة قراءة الماضي، والحاضر، برؤية قائمة على تشكيل الوحدة، خاصة في إدارة الاختلاف والتعدد، يقيناً بان أزمة الراهن بلا منازع هي الإدارة، ومفهوم فن إدارة التنوع، تجعل تنمية العقل منتجا إصلاحيا في بناء رؤية متكاملة. أخيراً ما طرح هو منهج جديد في مقاومة العقل، والفكر بقبول الآخر، ولكن ثمة أسئلة ثم ماذا، وإلى أين؟
وهل نستطيع أن نحسن فن إدارة التنوع والاختلاف، في ذهنية التحكم بمصائر نتائج العقل؟
أم في ظل ما نحن فيه من البعد الانساني والفكري بمفهوم القبول، كيف نستطيع تشكيل وحدة متكاملة قائمة على التعدد والاختلاف تحمل أملا ولو بعد حين في القدرة على ربح رهان؟