كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

في رحاب اللغة والقرآن

غزوان أحمد علي

هي أسئلة ماتزال تَرِدُ في الرسائل, ومنها ما تمّ الإجابة عنها, ومنها ما سيتم:
1- جاء في سورة مريم: [فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ...] لماذا قال: [فأجاءها] وليس: [جاءها]؟
2- [ربِ - ربي] وردت في القرآن الكريم كلمة [ربي] من دون الياء, كمثل: [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي] طه 25, وفي غيرها من الآيات, بينما في آيات أخرى كُتبت: [ربي] مع الياء! [إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ..] آل عِمران 51, فما الفرق بينهما؟
3- [امرأة - امرأت] لماذا وردتْ كلمة [امرأة] في القرآن الكريم بالتاء المربوطة مرة, وبالتاء المبسوطة مرة أخرى: [امرأت]؟ وهل تختلف [المرأة] عن [المرأت]؟
4- ورد في القرآن الكريم كلمتا [مكة] و[بكة] فما الفرق بينهما؟
5- لماذا كُتبت كلمات في القرآن الكريم كمثل: [الضُحى, العُلى...] بالألف المقصورة وبحسب القاعدة يجب أن تُكتب الألف ممدودة؟ فهي كلمات ثلاثية أصل الألف فيها الواو؟
6- وسؤال من أحد الإخوة عن: [هاي هاي], وعن معناها وقد وجدها في أحد الكتب العربية؟
7-وسؤال من أحد الأصدقاء عن قصيدة [تعلّق قلبي طفلةً عربية], ومعانيها وقائلها, وتوثيقها.
-----------------------------------------------------------
الرد:
1- [فأجاءها] وليس: [جاءها]؟
القصد مِن [فأجاءها] أي: أتى بها, أي جعلها تأتي وتلجأ إلى جذع النخلة.
2- [ربِّ] و[ربي]:
إذا كان الاسم المُنادى مُضافاً إلى ياء المُتكلم, وحُذفت أداةُ النداء جاز حذفُ الياء, والاستعاضةُ عنها بالكسرة, نحو: [ربِ], فكلّ كلمة [ربِّ] في القرآن الكريم تقديرُها: [يا ربي], وتم حذفُ حرف النداء [يا] للدّلالة على النداء القريب, وعندما وردت كلمة [ربّي] في القرآن الكريم لغير النداء, لم تُحذف الياء منها, كمثل: [إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ..] آل عِمران, والموضوع لا يتعلّق بكلمة [رب] فقط, بل نجد كلمات أخرى تُحقّق القاعدة, مثال: [..قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ] يس 20...الخ
3- [امرأة - امرأت]:
لا علاقة لذلك ب[المرأة], فذلك نجده في كلمات كثيرة أيضاً كمثل:
(ابنة ابنت), (بقية بقيت), (جنة جنت), (رحمة رحمت), (شجرة شجرت), (فطرة فطرت), (كلمة كلمت), (لعنة لعنت), (معصية معصيت), (نعمة نعمت)... الخ, والسّبب في [ة - ت]: يرجع إلى اختلاف لهجات العرب من حيث اللّفظ, فالسّبب في كلمة [امرأت] وغيرها كمثل: [نعمت, شجرت, جنت...] أنّ من لهجات العرب وبخاصّة اللّهجات اليمانيّة وبعض [طي] أنها كانت تلفظ التاء دائماً تاء، وليس في لهجتهم أن تُلفظَ هاءً عند الوقف بعد حرف مفتوح ولا غير ذلك, فقد كانت قبيلة طي -على سبيل المثال- تلفظ كلماتٍ كمثل حكمة وحمزة وطلحة, تلفظها بالتاء الواضحة: حكمت حمزت طلحت, وروي أنهم نادوا يوم اليمامة: "يا أهل سورة البقرت", وفي أشعارهم كثير من ذلك, بل ومُعظم هذه القبائل كانت تُسكّن آخر حرف, على عكس قُريش التي أفصحت في حركة آخر حرف, واليمنيّون الذين ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺴﻜّﻨﻮﻥ ﺁﺧﺮَ حرف, كانوا يذكّرون, وقد أخذت عنهم تميم في ذلك فكانوا يقولون: ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ, ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻌﺮﺏ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻮﻕ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺃﺱ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻀﺪ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺭﺏ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﻖ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺍﺭ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ, ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻭﺡ, بينما ﻗﺮﻳﺶ فقد كانت ﺗﺆﻧﺚ -لفظيّاً- ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ, وﻛﺎﻧﺖ تُفصح, أي تُعرب آخر حرف [تحركه], واللّافت أنّ من العرب حتى الآن مِمّن مايزال يُسكّن أواخر الكلمات, ﻭﻧﺰﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻟﻬﺠﺘَﻲ ﻗﺮﻳﺶ ﻭﺗﻤﻴﻢ, واللّهجات كلّها ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺄﻧﻴﺚ من حيث اللّفظ:
‏( ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺃﻋﺠﺎﺯ ﻧﺨﻞ ﺧﺎﻭﻳﺔ ‏) ﺍﻟﺤﺎﻗﺔ 7
‏( ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺃﻋﺠﺎﺯ ﻧﺨﻞ ﻣﻨﻘﻌﺮْ ‏) ﺍﻟﻘﻤﺮ 20
‏( ﺍﺫﻛﺮﻭﺍ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ‏) ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ 7
‏( ﺍﺫﻛﺮﻭﺍ ﻧﻌﻤﺖ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ‏) ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ 12
4- [مكة - بكة]:
أشار معظم المؤرخين إلى أنّ [بكة] يُقصد بها الكعبة الشريفة والموقع المُقدّس المُحيط بها, أمّا [مكة] فيُقصد بها التوسّع فيما حول [بكة], واعتمدوا في ذلك على معنى الكلمتين: ف[بكّ]: من دلالاتها التدافع والازدحام, فيما [مكّ]: فمن دلالاتها قلة الماء, وقديماً قيل: "الأرض تمكّ من قلة الماء", وفي لهجات العرب: [مكّ] لغة في [مدّ], أي: تمّ مدّ [بكة] وتوسيعُها فصارت [مكة], وفي خروج عن الجذر اللغوي, باعتبار حرف الباء في [بكة] تصبح [بكة]: بيت الله...الخ
5- [الضُحى, العُلى...]
ولماذا الرسم بالألف المقصورة؟
في القواعد اللّغوية التي جاءت بعد القرآن الكريم اختلافٌ كبير, وتباين واسع, وبخاصة بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة, يقول أحمد أمين في كتابه [ضحى الإسلام]: "تميزت مدرسة الكوفة عن البصريين بأنهم اعتمدوا السماع عن جميع القبائل العربية, وليس انتقاءً كما فعل البصريون بحُجّة أنّ مِن القبائل ما خالط العجم"! وقواعد اللّغة -حاليّاً- تقول إنّ كلمة [العُلى] ترسم فيها الألف ممدودة لأنها كلمة من ثلاثة أحرف وأصل الألف (واو), ولكنّهم لو عادوا إلى مدرسة الكوفة لوجدوا الجواب, يقول الكوفيون: "ترسم الألف ياءً غير منقوطة -ألف مقصورة- في كلّ اسمٍ ثلاثي ينتهي بألف وأوّلُه مضمُوم بغضّ النظر عن أصله", وهذا ما نجده في القرآن الكريم: كمثل: [..وَالسَّموَاتِ الْعُلَى] طه 4, [وَالضُّحَى]. وفي السياق نفسه نذكر هنا أنّ كلمة: [العُلى] بضم العين, غير كلمة: [العَلا] بفتح العين, فالثانية هي اختصار لكلمة: [العَلاء].
6- وعن: [هايْ هايْ], ومعناها وقد وجدها السائل في أحد الكتب العربية, نعم يا أخي الكريم فـ[هايْ هايْ]: هي لغة فصيحة, وهيهات أن تكون غير فصيحة, فـ [هايْ هايْ] لغةٌ في: [ هيهات هيهات], بمعنى: بَعُدَ بَعُدَ, ولم تأت في القرآن الكريم سوى مكررة أيضاً: [هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ] 36 المؤمنون, وكذلك في الشعر القديم, وكذلك [هُوَ هُوَ] جاءت بحسبِ اللسان العربي منطوقة بـ[هُوْ هُوْ], افتح لسان العرب تجد ذلك, وذلك كذلك.
7- وعن [تعلق قلبي طفلةً عربية] صديقي: بالنسبة لـ[تعلق قلبي طفلةً عربيةً]: القصيدة ليست في النسخ الأصليّة لديوان امرئ القيس, بل هي مما نُسب لامرئ القيس مما ليس في النسخ والمخطوطات الأصلية, كمثل:
نسخة الأعلم الشنتمري
نسخة الطوسي
نسخة السكري
نسخة البطليوسي
نسخة ابن النحاس

بل هي في كتب المُستشرقين, كمثل: [العقد الثمين في دواوين الستة الجاهليين], لـ المستشرق الألماني: غلهلم ألفرت ط4 1968, بتوقيع: [وليام بن الورد], والقصيدة غير موجودة في الجمعيات الأدبية, لا في [الأصمعيّات] ولا في [المُفضليات] ولا في [الحماسة]...الخ, وهي من الشعر المصنوع في العصر العباسي برواية أكثر الواضعين صنعةً: [حماد الراوية] و[خلف الأحمر], وهما كلاهما لا يُعتد بهما, وفي القصيدة كلمات كثر غير موجودة في معاجم اللغة العربية, وقد يكون ذلك لأجل السخرية من اللغة العربية! كمثل: [شنصل, حبوكل, الخيثوان, ...الخ], وكذلك أسلوب التَّكرار اللفظي الغنائي الساذج, والذي واضح منه أنّ القصيدة مصنوعة لأجل الغناء وإطالة السهر والسمر عند الملوك والوُلاة, والملوك والوُلاة لا تستقصي المصدر، إنما تستمتع منه بما حضر.