كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الحياة في قرية الصومعة نقلاً عن فلاح بسيط/محافظة طرطوس

د. عبد الله حنا- فينكس:

مُجرية اللقاء: وسامة عمران.
المتحدث: صالح محمد ميكائيل.
أنا اسمي صالح محمد ميكائيل، من مواليد 1913 في قرية الصومعة وأقيم فيها ولم أغادرها مطلقا. عشت حياة صعبة مع العصملي/العثماني. كانوا يجبروننا على العمل سخرة ويصادرون المواسم والحيوانات، ويجرجرون شباب هذه القرية على الخدمة العسكرية في اليمن وفي سفر برلك. ومنهم والدي وعدد من شباب هذه القرية. ولم يكن يحتمل (يُؤمل) رجوع من يذهب. كنا نضطر للاختفاء نهاراً خارج البيوت خوفاً من رجال الدرك لمصادرة الشباب وسوقهم إلى الجندية.
بالنسبة لجدي، فكان فلاحاً بسيطاً. بالإضافة إلى عدد من رؤوس الماعز التي ترعى في الأحراش، لم يكن هناك مصدر للدخل سوى هذه الماشية وزراعة الشعير والذرة. وقد توفي عام 1882، وسار أولاده على نفس طريقته في المعيشة التي كانت تعتبر من أقسى الظروف، حيث فقد الأمن وانتشرت اللصوصية والوحوش الضارية. وكنا نقوم بالعسس (أي الحراسة الليلية) بشكل دوري، ولم يرزق أعمامي بأولاد، بينما رزق والدي بولدين، هما أنا وأخي حسن، الذي سافر إلى المهجر في الأرجنتين (ولاية التوكومان) وتزوج هناك ورزق بولدين هما محمد وكامل. وقد توفي الثاني وتوفي أخي عن عمر يقارب من 75 سنة، وتركني صغيراً لم يتجاوز عمري الـ 13 سنة. كان يرسل لي الرسائل وبعض المال، حيث يساعدني على الحياة الصعبة وتربية أولادي حيث تزوجت عندما كان عمري 33 سنة، حيث قام بتربيتي أحد أعمامي (مصطفى) والذي كان يعاملني بقسوة شديدة بسبب زوجته التي لم ترزق بأولاد. فكانت تصب حقدها عليّ خاصة وقت تبعث إحدى بنات أختها التي دللتها وسخرت كل إمكاناتها لها.
***
كان عملي يقتصر على الزراعة البعلية والمحاصيل الحقلية، شعير وذرة، من أجل الخبز، ومساحات الأرض ضيقة وجبلية وعرة. وعندما رزقت بأولادي ازدادت قسوة الحياة، ولم يكن هناك مردود يكفي لشراء الخبز لهم، على الرغم من أن الملكية في هذه القرية خاصة بأهل قريتنا، لم يدخل الإقطاع قريتناً إطلاقاً، مع أنه هناك قرى مملوكة من قبل الإقطاعيين مثل بيت بشور في صافيتا، وبيت الحامد في قرية رأس الخشوفة، وبيت العباس في قرية الطليعي، ولكن قريتنا كانت ملكيتها خاصة، ولم نعرف حكم الإقطاع، واستمرت الحياة قاسية حتى دخلت زراعة شجرة الزيتون إلى المنطقة، حيث بدأت الحياة تتحسن شيئاً فشيئاً ولكن ليس بالمستوى المطلوب، لأن هذه الشجرة تعطي سنة وتحرم سنة أخرى، كما أنه يجب انتظارها ما لا يقل عن سبع سنوات حتى تبدأ بالعطاء بشكل مقبول. إضافة إلى أن الملكية في القرية صغيرة وضعيفة بالرغم من تفاوتها بين مالك وآخر، حيث تتراوح بين 3–50 دونم. والمواشي كانت تربى للاستفادة منها في الحراثة والنقل والحليب وغيره. وتجمع القرية كان بصورة عامة من الفلاحين الذين يمتهنون الرعي بعد فراغهم من الأعمال التي في الأرض، وتبلغ نسبة الفلاحين الفقراء في قريتنا على أيامنا أكثر من 90% والمتوسط 8% بينما الأغنياء لا يتجاوز عددهم 2 %. ولا يوجد من العاطلين إلا بعض رجال الدين الذين يستغلون أوقاتهم في العبادة وتعليم الناس أمور دينهم وتلاوة القرآن في الكتاتيب.
ونسينا أن نذكر الاستعمار الفرنسي الذي جاء عام 1920 بعد العثمانيين، ولكنهم لم يستطيعوا التوغل في جبالنا لمناعتها وصعوبتها، وقام الشيخ صالح العلي بالحرب ضدهم. كان يتصل برجل آخر في جبل الزاوية، اسمه ابراهيم هنانو، وكانوا ينقلون الأسلحة والذخائر على الحمير والبغال. وكان الفرنسيون يخافون الشيخ صالح كثيراً، وطلبوا منه أن يجعلوه ملكاً على جبل العلويين. فقال لهم: أنا أدافع عن دمشق قبل اللاذقية. ولم يستطيعوا أن يغيروا رأيه. وقد خاض ضدهم عدة معارك، وقتل منهم عدد كبير، على الرغم من بساطة أسلحة الثوار، ويكفي أن نذكر معركة وادي ورور ووادي جهنم حيث أبيدت حملة فرنسية كاملة واستولى الثوار على الأسلحة التي كانت معهم.()،
كان الشيخ صالح يختفي عندنا أحياناً، وإذا شعر أنهم يبحثون عنه يترك القرية سراً. وبقيت الحياة على نفس الوضع دون تطور يذكر حتى عهد الاستقلال، فكان تطوراً بسيطاً، حيث يجبروننا على العمل في فتح الطرق وتسمى "الكروسة"، بين صافيتا والدريكيش. ومنذ عام 1958، أي سنة قيام الوحدة العربية بين سورية ومصر، طلبوا منا أن ننتخب ما سمي أعضاء الاتحاد، وجرى ذلك في مدرسة بيت الشيخ مرهج، وقالوا أن رئيسنا جمال عبد الناصر.
وكانت أول مرة تدخل فيها المدرسة إلى قريتنا عام 1930، ولكن ألغيت بسبب الواسطة والنواب القدماء، ونقلت إلى قرية مجاورة حيث أعيدت عام 1955. وكانت مبنية من الحجر والخشب والطين وأصبحت إعدادية عام 1976. وانتشر التعليم بشكل هائل بين أبناء القرية واتجهوا إلى التطوع في الجيش وذهب قسم منهم إلى العمل في لبنان في ظروف قاسية وذليلة. ولكن حالياً معظم أهل القرية يعملون في الوظائف المختلفة وقسم منهم بالجيش، وهناك عدد لا بأس به في دول مختلفة، سواء عربية كانت أو أجنبية، يكملون دراساتهم. وقد زادت قيمة الأرض في الوقت الحاضر، وأصبح إنتاج الفلاح على الرغم من ضيق المساحة يعود عليه بمردود كبير، حيث أصبح الآن سعر تنكة الزيت 625 ل.س، بينما كانت في الماضي لا يتجاوز سعرها 25 ل.س. ولكن قيمة الليرة الشرائية تضاعفت عن الماضي، والتطور الذي حدث في هذه القرية فوق التصور، حيث توفرت لها كل الخدمات التي يحلم بها الإنسان، سواء المياه (1975) والكهرباء (1977)، أو الطريق المعبدة أو الهاتف عام 1976، أو المدرسة حيث لم يعد هناك تفكير بالهجرة إلى المدينة، بل يتجه التفكير إلى الهجرة المعاكسة.
ونسينا أن نذكر أن المياه كانت قليلة جداً، حيث كانت تشرب القرية من ثلاث ينابيع شحيحة في الصيف، حيث تضطر المرأة أن تنتظر دورها أكثر من 10 ساعات للحصول على مياه الشرب. فقام الأهالي بحفر الآبار أمام بيوتهم، للتغلب على هذه المشكلة، حتى تم جر المياه من نبع مغارة الشماميس إلى القرية مع عدد كبير من القرى تتجاوز المائة قرية.
***
الحياة الاجتماعية في هذه القرية بسيطة وغير معقدة، والفتاة دخلت المدرسة منذ وقت مبكر، ونرى الآن الفتاة الموظفة والمعلمة والمهندسة والطبيبة، ودرجة الثقافة بين أبناء القرية تكاد تكون 100%. وعادات الزواج تتم ببساطة، حيث يتعرف الشاب على الفتاة عن طريق بعض اللقاءات العائلية، ويختار كل منهما الآخر، وتتم الخطبة عن طريق اللقاء بين الأهل دون إكراه ودون مهر، إلا ما يتفق عليه العروسان لتجهيز بيت الزوجية الجديد. ويمكن القول، أنه منذ الماضي لم يكن هناك إكراه للفتاة على الزواج إلا في حالات نادرة جداً.
س: حدثنا كيف استطعت تربية اولادك حتى أصبحوا في المستوى العالي؟
ج: "لقد تعذبت كثيراً، وكنت أعمل بالإضافة لعملي الأصلي في الأرض وتربية دودة الحرير، التي كانت من نوع رديء، حيث كان يأكل الورق حتى يقارب النهاية، ثم يموت. كنت أعمل في البناء، بناء البيوت على الطريقة القديمة وبسعر بسيط جداً، حتى أجد العمل، وعدة مرات جاء ولدي يطلب مني ثمن دفتر، فأقول له لا يوجد معي ثمن دفتر سيكارة، علما أن ثمن الدفتر كان نصف فرنك. ولكن الأولاد كانوا مجتهدين، ولم اكن اتمنى حرمانهم من التعليم، وجعت وتعذبت كثيراً حتى رأيتهم الآن متعلمين والحمد الله على السراء والضراء".
س: ماذا كنتم تلبسون من ثياب؟
ج: كنا نرتدي الشروال الأسود، وقمصان أحياناً صوفية نغزلها وننسجها بأيدينا، وعباءة وحذاء من الجلد، وقد نسير حفاة أحياناً.
6- الفئات الاجتماعية في الدار الكبيرة وتوابعها على النهر العاصي( )
الموقع الجغرافي:
المنطقة تقع على النهر العاصي، وتبعد عن المدينة حوالي 10 كم إلى الشمال الغربي، وهي امتداد لمنطقة غرب طريق حماة حتى نهر العاصي غرباً، ويفصلها النهر عن منطقة الوعر المعروفة بالمحافظة، والقرية قريبة من معمل السكر ومحالج القطن.
الأهمية الزراعية:
حوالي 70 % من الأراضي تُزرع سقيا و الباقي أراضي بعلية، ويركز الأهالي على زراعة الشمندر السكري والقطن والخضراوات والحبوب.
المالكون:
تعود أراضي القرية في ملكيتها إلى العائلات البرجوازية الإقطاعية التي كانت قبل الثورة، تملكها وحتى الآن وهم آل الموصلي، آل الجندلي، آل الأتاسي، والحسيني وغيرهم.
الفئات الاجتماعية:
- الفلاحون ذوي الملكيات الكبيرة وهم رجالات الإقطاع سابقاً.
- الفلاحون المتوسطون الذين حصلوا على الأرض نتيجة إجراءات العائلات الإقطاعية حتى يمنعوا عمليات التوزيع بين الفلاحين كلهم.
- الفلاحون الصغار والأجراء، وهم يملكون عدة أمتار، بينما الأجراء لا يملكون شبرا من الأرض، وقد تحولوا بفعل الظروف الحياتية الصعبة إلى عمال عاديين في المدينة ويبيعون قوة عملهم لمن يشتريها.
وتشمل تلك التقسيمات الاجتماعية قرية الدوير، وقرية تيرمعلة القريبتين لظروفهم الواحدة وملكيتها لنفس العائلات تقريبا، ويشملهم قانون التوزيع برأيِ للأسباب الآتية:
- تغلغل العائلات الإقطاعية المذكورة في مناصب قيادية لا بأس بها في المحافظة، مما أعطى العملية نوعا من الإهمال والغموض.
- تعاون أذناب الإقطاعيين (الفلاحين الكبار والمتوسطين)، باعتبارهم وجهاء ومخاتير في القرى وتزويد الدوائر المختصة بمعلومات خاطئة عن المساحات – وعن الذين لا يملكون شيئا.
- تسجيل الأراضي بأسماء خيالية أو لأطفال من أسرهم حتى تبقى الأرض لهم ويتخلصون من مساحة الحد الأعلى للملكية حسب قانون الإصلاح الزراعي، ولا يشملهم الإصلاح الزراعي.
- عدم اكتمال الوعي أو انعدامه لدى الطبقات الفلاحية الفقيرة، حيث سيطر عليهم اليأس واعتقدوا بأن حظهم هكذا من السماء. كما لعب تأثير أقربائهم من الوجهاء في القرية في تخديرهم ووعدهم بالمن والسلوى وبأنهم لن يحتاجوا أحدا. واقتنعوا بتلك الحلول وعاشوا في ظلام لا همّ لهم سوى التناسل ومشاكل الحياة.
التطورات الحالية:
نتيجة التطور الاجتماعي والاقتصادي ووصل القرية بشبكة طرق وكهرباء، وبناء مدرسة وما رافقتها من نتائج، أصبح الوضع كالآتي:
نتيجة التناقض في الملكيات، ونمو وعي الفقراء تحت ضغط الحاجة، ونمو عوامل أخرى، دفع بهم للعمل في المدينة مع أبنائهم في شتى المجالات، وبظروف عمل سيئة وأغلبهم في القطاع الخاص ولدى مؤسسات الجيش، والشركات المؤقتة. فبدأت الطبقة العاملة بتلك القاعدة العمالية البسيطة التي لا هم لها سوى مجاراة الفلاحين الكبار وجمع قوت العيش.
هذا الواقع دفع أبناء الفقراء للجد والسعي من أجل الوظيفة لتساعدهم على الاستقرار المادي مع أبناء الفلاحين الصغار أيضا، فتخلصوا شيئا فشيئا من الأرض وخرجوا ليقطنوا في بيوت في أطراف القرية ويستقلوا ضمن عائلاتهم. وبذلك سكن العمال في أطراف القرية بعيدين عن أهلهم وبيوتهم الأصلية التي لم تعد تلائم متطلبات الحياة.
 
 
العبودية من أيام حمورابي إلى عصر "البترودولار"
زلزال سنة 1759م ودور المعماريين المسيحيين الدمشقيين باعادة إعمار دمشق
العبودية من أيام حمورابي إلى عصر "البترودولار"
«السيارة»
القادرية والرفاعية ومراسمهما في ديرعطية.. و خميس المشايخ
دير الزور في زمن الخلفاء الراشدين
شتان بين حملة طائفية لاسماعيل الأطرش 1860 وحملة وطنية يعربية لزيد الأطرش 1925
وضع المناطق الريفية من ولاية الشام أثناء أحداث 1860 الطائفية
أصداء حملة اسماعيل الأطرش في دمشق
حملة اسماعيل الأطرش الطائفية في حزيران 1860
أحداث 1860 في مدينة دمشق كما تذكرها أوراق قنصل بروسيا بدمشق فتزشتاين
أحداث 1860 في مدينة دمشق من منظور أسعد الأسطواني
أضواء على أحداث 1860 الطائفية في دمشق وأريافها
عزت باشا العابد سكرتير السلطان عبد الحميد من كبار إقطاعيي دمشق وأعيانها
الأعيان والفلاحون في مقتبس محمد كرد علي لعام 1910