كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

بإنتظار "رومل" السوري السني!

د. عبد الوهاب أسعد

كان أدولف هتلر (قاتل في الحرب العالمية الأولى مع جيش القيصر الألماني فيلهلم برتبة عريف)، كان هتلر على علاقة سيئة وخلاف مستمر مع جنرالات الجيش الألماني (تربى الجنرالات الألمان في الأكاديميات الحربية البرويسية القيصرية الألمانية الشهيرة، وكانوا ينظرون للعريف هتلر نظرة إزدراء). وهذا ما كان له التأثير السلبي جدا على مسيرة الحرب العالمية الثانية وخصوصا في قضية غزو الإتحاد السوڤييتي.
كانت خطة الجنرالات الألمان تقتضي القيام بغزو الإتحاد السوڤييتي (عملية بارباروسا) في مطلع ربيع عام ١٩٤١ وبقوة حربية واحدة وبحرب صاعقة تتجه إلى موسكو وتسقطها في خلال أسابيع. ولكن هتلر أصر على فتح ثلاثة جبهات، أولها بإتجاه لينيغراد وموسكو، والثانية بإتجاه ستالينغراد والقوقاز، والثالثة بإتجاه شمال أفريقيا والتي كان من المقرر لها الإلتقاء بفكي كماشة مع جبهة القوقاز وقطع الإمدادات البترولية والغذائية عن جيوش الإتحاد السوڤييتي المدافعة في الشمال.
علم الآغا بينيتو موسوليني بعملية بارباروسا، وأراد تسجيل إنتصار بإسمه، أرسل قواته إلى جزر وجبال ووديان اليونان، وسرعان ما مني بالهزيمة. نعص الآغا موسوليني، فعمد هتلر إلى تأخير عملية بارباروسا وإنقاذ حليفه. وهذا ما جعل عملية غزو الإتحاد السوڤييتي مؤجلة إلى بداية الصيف، وعندما وصلت طلائع القوات النازية إلى أهدافها في شمال وجنوب الإتحاد السوڤييتي كان الجنرال الجليد بإنتظارها!
حوصرت قوات الفيلد مارشال بولوس في ستالينغراد، ورفض هتلر إنسحابا تكتيكيا، ومن بين ثلاثمائة ألف مقاتل بقي حوالي خمسة آلاف جريح جرى سوقهم إلى الأسر في سيبيريا.
في شمال أفريقيا وصلت القوات النازية بقيادة الفيلد مارشال رومل (الملقب بثعلب الصحراء) إلى شرقي ليبيا متعبة منهكة تنتظر الإمدادات الموعودة.
ومن الناحية الشرقية في غرب مصر كان الجنرال البريطاني مونتغومري يجمع قوات الحلفاء لخوض معركة فاصلة مع غريمه رومل.
أدرك الذئب البريطاني مونتغومري ورطة رومل وبأنه ينتظر إمدادات لم تصله، وهكذا أسرع بالتقدم نحو الغرب لإجبار رومل لخوض المعركة بما لديه من قوات، خصوصا وأن القوات الإيطالية والرومانية المتحالفة مع الألمان ليست بكفاءة قتالية عالية.
كان من بين قوات رومل فرقة ميكانيكية عالية التجهيز والتدريب، وكان قائدها جنرال مندفع متحمس للقتال وبكفاءة عالية. لم تصل الإمدادات الموعودة، ولكن معركة العلمين بدأت وبوتيرة قتالية مرعبة. وحصل إختراق الجبهة في أماكن تواجد الإيطاليين والرومان. طالب الجنرال قائد الفرقة الميكانيكية رومل السماح له بدخول المعركة، ولكن رومل كان في كل مرة يرفض طلبه ويأمره بالمحافظة على جهوزية قواته وآلياته.
عندما باءت محاولات رومل بالحصول على الإمدادات الحربية الضرورية، وبسبب تعاسة المقاتلين المتحالفين الطليان والرومان منيت قوات رومل بخسارة فادحة في معركة العلمين. عندها أسرع رومل بطلب الجنرال قائد الفرقة الميكانيكية وأبلغه بمهمته بإنقاذ ما تبقى من المقاتلين الألمان وعتادهم الحربي، وقال له الآن جاء دورك. وبالفعل قامت الفرقة الميكانيكية بدورها على أكمل وجه. هكذا أنقذ رومل بقية جيشه! 
******
(حرب تلد أخرى) قال مؤرخون بأن إذلال الأمة الألمانية وخسارتها الحرب العالمية الأولى كانت بذور الحرب العالمية الثانية. جرى توقيع وثائق الإستسلام في قصر فرساي على مقربة من باريس. ولمزيد من الإذلال أجبر الوفد الألماني دخول القصر من بوابة الخدم، ولم يسمح له سوى التوقيع على وثائق الإستسلام ومن دون قيد أو شرط. جرى إحتلال أجزاء من الأراضي الألمانية وفرض حصار إقتصادي سياسي لم يسبق مثيله في التاريخ.
في عام ١٩٢٩ حصلت الهزة المالية العنيفة في بورصة شيكاغو أولا تلتها بقية البورصات في الغرب والعالم. وبنتيجة ذلك حصل كساد وأزمة إقتصادية خانقة وبطالة ومجاعات مرعبة. إذ أنه وعلى سبيل المثال وصل ثمن باكيت الدخان الواحدة في ألمانيا إلى خمسة مليارات مارك ألماني. وكان من نتيجة ذلك أن كسب الحزب النازي اليميني الإنتخابات البرلمانية وتسلم الحكم في سنة ١٩٣٣ وأصبح أدولف هتلر المستشار الألماني.
وضعت خطط النهوض بالإقتصاد الألماني قيد التنفيذ. وفي صباح كل يوم جرى إقتياد جميع القادرين إلى مواقع العمل والإنتاج. وفي خلال سنتين أصبح المواطن الألماني يأكل ويشبع ويلبس ويسكن. وفي السنتين التاليتين بنيت أحدث شبكة طرق وسكك حديدية في العالم، ومن بعدها إنتقل الأمر إلى تصنيع الأسلحة، حتى أنه وعلى الرغم من الحصار الإقتصادي الخانق تمكنت ألمانيا في عام ١٩٣٩ من البدء بالحرب العالمية الثانية!
ومن بعد خسارة ألمانيا للحرب العالمية الثانية وتمزيقها وإقتطاع أجزاء من أراضيها، تمكن الشعب الألماني من النهوض ثانية وإعادة بناء دولته الموحدة حتى أصبح الإقتصاد الألماني اليوم ثالث أو رابع أقوى إقتصاد في العالم.
كل نظام سياسي يعتمد على شعبه ويدير إقتصاده بعلمية وحرفية يمكنه بناء بلاده. وكلنا نعلم مدى الإكتفاء الذاتي الزراعي والصناعي والقوة العسكرية الرادعة التي بلغتها سوريا وكانت السبب الأساسي لغزوها وتدميرها. ولكن إعادة بناء المجتمع والإقتصاد والدولة ممكنة أيضا، بشرط أن تتوفر الظروف الداخلية المناسبة وأن يتسلم أمثال رومل إدارة الأمور.
إعتمد جيش الشرق الفرنسي في أثناء الإنتداب على المتطوعين الفقراء من الأرياف السورية، ومن بعد الإستقلال كان الفقر أيضا دافعا لأبناء الأرياف للتطوع في الخدمة العسكرية مصدر دخل ومعاش، وهكذا أصبح أبناء الأرياف عماد الجيش السوري (أبناء المدن الكبرى عملوا في التجارة والصناعة والحرف اليدوية)، وشكل أبناء الجبلين العلوي والدرزي كتلة عسكرية وازنة (معركة تحرير جبل الشيخ في عام ١٩٧٣ خاضها الجنود العلويون والدروز خاصة).
حتى نهاية العام الماضي كان لدى سوريا قوة حربية رادعة قادرة على منع الأعداء من إجتياحها. ومن بعد تسلم مقاتلي الميليشيات الإسلامية السلطة كان بإمكان (رومل السوري السني) إستخدام الكتلة العسكرية المدربة (العلوية الدرزية) في أماكن العتاد الحربي الرادع ، وبذلك يمتلك قوة وازنة يستطيع المناورة بها وتمنحه قدرة من الحرية والإستقلالية الكافية لتمرير سياساته وفرض إحترامه من قبل الأعداء قبل الأصدقاء. وفي مثل هذه الأحوال لن تكون متطلبات العسكريين أكثر من دخل معاشي يصون كراماتهم.
وأما موضوع الإقتصاد والإنتاج والنهوض به فليس الأمر كذلك صعبا. يكفي أن يدعو (رومل السوري السني) أطراف المجتمع السوري الفاعلة لتشكيل حكومة إنقاذ وطنية، وتشريع قوانين تسهل عملية الإنتاج، خصوصا وأنه لدينا فائض في الأيدي والعقول الشبابية القادرة على العمل.
ومن قبل أن يرشقني أحدكم بالسؤال (من وين المصاري) أقول بأن تعداد المغتربين السوريين يبلغ عشرات الملايين، وبقوانين إستثمار وإدارة تشاركية يمكن حل هذه المسألة وبسهولة، ومن دون الحاجة لنواطير الكازيات.
الشعب السوري وبجميع مكوناته العرقية والدينية وخلافها وريث أعرق الحضارات البشرية، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من (أمثال رومل السوري السني) إدارة حرفية مرنة حتى يخلق المعجزات.
وإذا قال أحدكم (والله ما بيخلونا) فلن أجيبه، لأني لا أطيق أحاديث العجزة!