كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مروان حديد وشهم عبد الرزاق حمو البرازي- ح4

خالد محمد جزماتي

أثناء خدمتي في قاعدة جول جمال البحرية بطرطوس كنا نعاني من كثرة الاستنفارات شبه الدائمة بسبب ما أطلق عليه "حرب الاستنزاف"، وكان الطيران الاسرائيلي يقوم بمهام مختلفة في سماء الساحل السوري، وكنت أحصل على مبيت يوم واحد، أسافر فيه الى حماة.
وحسب ذاكرتي الحادة بفضل الله، كنت أجد الأخ محمد حسن عجعوج في منزلنا بضيافة أخي مرهف، وكان الاثنان عند لقائي بهما أشعر منهما باحترام ظاهر، وكنت عندما أعطيهما المجال بالتحدث أشعر بسرورهما الشديد، وحرصهما الدائم لجعل النقاشات سياسية إسلامية، ولن أستطيع الزعم أني فزت عليهما بآرائي ولو مرة واحدة....
ودارت الأيام، عندما أصبحت سجيناً بعد وصولي الى رتبة مقدم وقد أتممت جميع الدورات التي تؤهلني لاتباع دورة أركان، ولكن قدر الله وما شاء فعل.. فقد تم اعتقالي مع 15 ضابطاً وصف ضابط ومدني واحد... وتم سوقنا الى سجن تدمر سيء الذكر بتاريخ 20 / 11 / 1980، وقادونا الى المهجع 22 في الباحة الرابعة الكئيبة... وفي شهر تموز 1981 تم فرز سجناء تدمر حسب الأحكام.. وهكذا كان نصيب الأحكام المؤبدة المهجع 11 في الباحة الثانية، وهناك التقيت بمحمد عجعوج (أبو حسن) صديق أخي مرهف الجزماتي.... ولم يكن في المهجع سوانا من حماة...
وهناك أهم ذكرياتي معه، حيث كنا نبكي أثناء مجازر حماة في شهر شباط 1982، وكنت وإياه نخالف الاّخرين في تحليل ما يجري في حماة... فكان جميع من في المهجع فرحين واثقين بأن حماة ستنتصر على الأسد وجيشه... فيما أنا وأبو حسن (عجعوج) نقول غير ذلك، فهو يعرف إمكانية تنظيم الطليعة المقاتلة، وأنا أعلم الإمكانيات العسكرية لدى سرايا الدفاع والقوات الخاصة واللواء 47 المتمركز جنوب حماة.....
وقد يتساءل القراء الكرام، من أين كنا نحصل على الأخبار؟.. وإليكم الجواب: كان رئيس المهجع المرحوم "ياسين سفلو" (من اللاذقية) مدعوماً من مدير السجن "فيصل غانم"، فسمح له بإدخال "راديو" صعير بقي لديه عدة أشهر، وقعت خلالها مجازر حماة التي استمرت 28 يوماً (شباط 1982)، فمن خلال ذلك الراديو كنا نتابع جميع الأخبار... أما الكيفية فكانت نتيجة صراعات شديدة بيننا حول كيفية الاستماع، فكان البعض يقوم بسحب الراديو أثناء نوم "ياسين سفلو"، وأحيانا كنا نصل الى اتفاق مع صاحب الراديو بتسليمه الى المحبوب من جميع نزلاء المهجع وهو الملازم الأول المهندس "حـمـيـد الـعـمـر" (من تل تمر التابعة لمحافظة الحسكة)، وفي الصباح عند الاستيقاظ كنا نلتف حوله ليحكي لنا ما حفظه من أخبار استمع اليها سراً أثناء هجوعه تحت البطانية... وطبعا لن يستطيع أي قارىء تخيل ما يحدث بيننا من هرج ومرج أثناء إحاطتنا بحميد العمر لمعرفة ما لديه من أخبار... دراماتيكيات ليس لها شبيه في التاريخ....
بعد عامين من لقائي مع المرحوم محمد عجعوج شعر هو والأطباء بأن حالته الصحية متردية (كان في المهجع كل من الأطباء: مأمون العظمة - بدر الدين الصفدي - محمد القـلا - عماد رنكو - حسان مفتي)، وأنه مصاب بمرض السل، وتم الابلاغ عنه، فتم نقله الى مهجع خاص بمرضى السل، وقد علمت من السجناء بعد سنوات عدة بأنه فارق الحياة ولبى نداء ربه وهو يهم بالسجود في إحدى ركعات صلاة العشاء...
أما حكاية شهم البرازي مع محمد حسن عجعوج فهي:
في عام 1969 قام بتنظيمه في جماعة الأخوان المسلمين، وأشرف على المتابعة معه، وكتب لي شهم يمتدحه بشكل مفرط لما شاهده فيه من استقامة وتضحية وتفانيه في خدمة تنظيم الجماعة (ومثال على ذلك قصة اعتقاله، فعندما علم باعتقال الشيخ مروان حديد، غادر سورية الى بيروت، ولكنه فطن أنه نسي بعض الوثائق في منزل حسان الكيلاني في حي المزرعة بدمشق، فغادر بيروت الى دمشق لاسترجاع الوثائق، ولكن كانت المخابرات مقيمة في المنزل بعد اعتقال الشيخ مروان، وكشف بعض القواعد ومنها منزل حسان الكيلاني... وهكذا تم الاعتقال)، وكيف كان يقحم صغار السن للاجتماع بالقادة من الجماعة كالشيخ مروان حديد والشيخ سعيد حوا والشيخ نافع العلواني وفارس الملي وعبد المنعم الرياحي وغيرهم للعمل على حل الخلافات التي أصبحت معروفة في ذلك الزمن، وكان كل ذلك قبل تأسيس الطليعة المقاتلة من قبل مروان حديد في نهايات عام 1974، وانضمام شهم البرازي مع محمد عجعوج وحسان كيلاني وعمر جواد ومظفر البرازي وعبد الستار الزعيم وبسام أرناؤوط وهشام جنباظ وفيصل شيخ الغنامة وموفق عياش وغالب حداد وحيان الجزماتي وأخوه قتيبة ومهدي العلواني وبضع عشرات غيرهم، هزوا كيان مخابرات الأسد من عام 1975 حتى عام 1997....
أخيراً: أقول وأنا شاهد عيان على ما جرى في بلادنا لأكثر من سبعين عاما أن النصر المؤزر الذي حصل عليه الشعب السوري على نظام ليس له مثيل لا في التاريخ الحديث ولا في قديمه من شدة إجرامه ونجاسته، فكان هذا النصر هدية من الله جلّت قدرته الى شعبنا المظلوم بمعظمه، ولن أستطيع أنا ولا غيري أن يصل الى خارطة تشرح لنا كيف تم هذا النصر... فقط جواب بسيط:

"مـن مــعــجزات الـقــوي الـعـزيـز الـحـكيـم".