كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

٧٧ عاما على النكبة - شاهد عيان

لطفي السومي

لقد تكرر الحديث عن نكبة فلسطين لدرجة جعلت القارئ يمل من استمرار القراءة عنها، إلا ان هذه الذكرى الأليمة تلح على شاهد عيان مثلي ان اكتب عنها في كل ١٥ ايار من كل عام، خاصة بعد ان سارت النكبة في طريق الاكتمال بعد ان بدأت الدول العربية تقيم معاهدات السلام مع إسرائيل، والتي تعني اعترافاً بالتخلي عن فلسطين، بل واصبح التطبيع وحتى الانخراط في مشروع الديانة الإبراهيمية الموحدة هو الطريق إلى الكثير من الدول العربية، وسأخصص قريبا جدا بحثا خاصا عن هذه الديانة المخترعة.
في العام ١٩٤٨ كنت في الثانية عشرة من العمر، ورغم انني محسوب على مرحلة الطفولة إلا ان وعي جيلنا والناتج عن خطورة الصراع جعل متابعة الاحداث يوميا امراً عاديا فكنت اقرأ جريدة الدفاع او فلسطين يوميا، وأتابع نشرات الأخبار من إذاعة القدس، وعندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٩ / ١١ / ١٩٤٧ قرارا بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود بدأ التوتر رغم ان الانتداب الإنكليزي كان لا زال قائما ومستمرا حتى ١٥ / ٥ / ١٩٤٨.
شكلت جامعة الدول العربية ما اسمته جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي من طرابلس لبنان وهو نفسه الذي قاد الثورة الفلسطينية الكبرى بين أعوام ١٩٣٦ - ١٩٣٩ وحظي بشعبية هائلة بين الفلسطينيين، وكان معظم افراد الجيش هم متطوعون سوريون مع بعض العراقيين وأفراد آخرين من بلدان عربية اخرى، إلا ان هذا الجيش والذي دخل فلسطين في اوائل عام ١٩٤٨ كان قليل العدد والعدة، وفشل في المحافظة على منطقة الجليل بما تحتويه من مدن وقرى كصفد التي سقطت بيد اليهود في ٩ /٥ وعكا في ١٦ / ٥ والناصرة في ١٦ / ٧ / ١٩٤٨ وكانت طبريا هي الوحيدة في الشمال التي احتلها اليهود قبل هذه الفترة في ١٩/ ٤/، وكذلك سقطت كل قرى الشمال (الجليل) وكانت معركة الشجرة هي المعركة الاطول والأقسى فيما بينها، والتي استشهد فيها الشاعر عبد الرحيم محمود من قرية عنبتا قضاء طولكرم وهو القائل:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق واما ممات يغيظ العدا،
وهو ايضا من خاطب الأمير سعود بن عبدالعزيز قبل ان يصبح ملكا اثناء زيارته لفلسطين قائلا:
المسجد الأقصى أجئت تزوره أم جئت من قبل الضياع تودعه
ومن جهة اخرى سقطت مدينتي حيفا في ٢٢ / ٤ ومدينة يافا في ٢٦ / ٤، واستشهد قبلهما المناضل الكبير في قرية القسطل بمنطقة القدس عبد القادر الحسيني في ٩ / ٤ لينتابنا بعد سقوط المدينتين الأكثر اهمية الشعور باحتمال خسارة المعركة.
كان ١٥ / ايار هو موعد دخول الجيوش العربية إلى فلسطين وهي تتكون من جيوش سورية ولبنان حديثتي الاستقلال، والجيش العراقي والجيش الأردني الذي كان يقوده القائد الإنكليزي كلوب والجيش المصري وأعداد قليلة من الجيشين السعودي واليمني، وكنا نعتقد ان هذه الجيوش السبعة ستكون قادرة على سحق ما كنا نسميه العصابات الصهيونية، وفي ليلة ١٥ / ٥ طلبت منا أمي ان ننام باكرا من اجل ان نصحوا باكرا ونتمتع بعودة حيفا إلى العرب.
رغم كل ما يقال فان أسلحة الجيوش العربية كانت افضل من أسلحة كل من المنظمات المسلحة اليهودية: الهاجناه وشتيرن والأرغون ولقد استمرّ هذا الحال حتى ١١ / ٦ /١٩٤٨ حين فرضت هدنة على المتقاتلين لمدة شهر استطاع خلالها الصهاينة جلب السلاح من تشيكوسلوفاكيا، مما غير ميزان القوى واستطاع اليهود احتلال اللد والرملة في ١٢، ١١ / تموز من الجيش الأردني دون قتال، كما استطاعوا احتلال المنطقة من أسدود وحتى العقبة من الجيش المصري (باستثناء الفلوجة) في خلال ٣ ايام بما في ذلك بئر السبع في ٢١ /٧ /١٩٤٨ واستكملت النكبة إبعادها وهجرحوالي ٨٠٠٠٠٠ فلسطيني من بلدانهم وقراهم وهيمن اليهود على هوالي ٧٦% من ارض فلسطين ثم اضيف اليها ٢٪؜ من خلال اتفاقية الهدنة الدائمة في رودس مع الأردن وتسلموا عددا من القرى في منطقة المثلث واهمها قريتي ام الفحم والطيبة، وقام اليهود بهدم حوالي ٥٠٨ قرى مهجرة واغتالوا الوسيط الدولي الكونت برنادوت والذي كان يصر على عودة اللاجئين إلى منازلهم.
والآن وبعد مرور ٧٧ عاما على النكبة تستكمل النكبة إبعادها بتوالي الاعترافات والتطبيع من قبل الحكومات العربية، دون ان يستطيع هذا التطبيع ان يخترق وعي الجماهير التي ستظل وفية لانتمائها القومي حتى نخرج ونتحرر من هذا الزمن الردئ الذي يهيمن على معظم أقطارنا العربية.