كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن رحلة بدأتها منذ خمسين عاماً 2 و3

ابراهيم معروف- فينكس

الوصول إلى الجزائر العاصمة
وقضاء الليلة الأولى في ضيافة عائلة شعبية كريمة
تأخرت الطائرة عن موعدها عدة ساعات، ودعتنا إدارة المطار للتوجه إلى أحد المطاعم لتناول طعام العشاء. كان بين المسافرين شاب يمشي متكئاً على عكاز، لكسر في رجله، لاحظ تردداً في حركتي، فسألني إن كنت أعرف موقع المطعم أجبته أن هذه أول مرة أمر فيها بهذا المطار، قال لي لا بأس، هيّا نذهب معاً، وهذا ماكان، بعد العشاء، عدنا إلى قاعة الركاب، تبادلنا الحديث في انتظار الصعود إلى الطائرة، تحدثنا بلغة مشكلة ما بين عربية ودارجة جزائرية وفرنسية. علمت من الشاب أنه عامل بناء، تعرض لحادث أثناء عمله في باريس، وأنه يقضي الآن فترة نقاهة.
وصلت الطائرة إلى مطار الدار البيضاء قرب العاصمة حوالي الثانية فجر الأول من نيسان /أفريل 1974. هذا المطار أخذ لاحقاً اسم المرحوم الهواري بومدين بعد وفاته. بعد إجراءات مراقبة الجوازات تسلمنا الحقائب، وتوجهنا صوب باب الخروج، اقترب الشاب مني وسألني هل هناك من ينتظرك؟ أو لديك عنوان تذهب إليه؟ قلت نعم لديّ عنوان صديق، ولكن لن أذهب إليه في مثل هذه الساعة، خاصة أن لا علم له بوصولي الآن. سأذهب إلى أحد الفنادق. رمقني بنظرة فيها نوع من التعجب، قائلاً ليس من العقل، وليس آمناً، أن تذهب إلى العاصمة وحيداً، حاملاً حقيبة سفر لتبحث عن فندق في الليل. قلت إذن أنتظر الصباح في المطار، قال بل تأتي معي إلى بيتنا، شكرته، ولكنه أصر قائلاً أن بيتهم متواضع، ولا يوجد أي إحراج لديهم. أمام إلحاحه، وثقتي وارتياحي للحديث والتعامل مع أمثاله من بسطاء الناس، توجهت معه إلى محطة سيارات الأجرة، استقلينا إحدى السيارات، وتوجهت بنا السيارة إلى العنوان الذي أعطاه للسائق، كان البيت يقع في بلدة "بوغرة" جنوب الجزائر العاصمة بنحو 25 كم. في الطريق كانت هناك أمطار فيضانية، مررنا فوق وادي الحراش الذي كان حاملاً لدرجة حسبته نهراً عظيماً!
في البيت استقبلتنا أمه وأخته، فقد كان والده متوفياً. كان البيت متواضعاً فعلاً، ولكنه كان دافئاً. بتنا بقية الليلة، وعندما اسيقظنا في الصباح كان الفطور التقليدي بالانتظار: حليب وقهوة وبعض من الزبدة والمربى وخفاف. بعد الفطور والاستراحة قليلاً شكرت مضيفي، وأعربت عن رغبتي بالانصراف، مستفسراً عن السبيل للذهاب إلى الجزائر العاصمة. أجابني الشاب أن موقف الحافلة ليس بعيداً، وكلف أخته، وكانت تلميذة في الثانوية، بمرافقتي حتى الموقف.
بعد مدة، وبينما كنت في مقهى اللوتس، وكان من أشهر مقاهى العاصمة، يلتقي فيه الشرقيون بشكل خاص. التقيت صدفة مع صديق من البلد (س.ع.) سألني كيف كان وصولي، وهل واجهت صعوبات في الأيام الأولى؟ أخبرته أنني وصلت ليلاً، وبت الليلة الأولى عند عائلة شعبية كريمة ومضيافة. علت وجهه علامات الدهشة، وصرح بأنه في الجزائر من نحو ثلاث سنين، حيث يعمل معلماً معاراً، وأنه طيلة هذه السنوات لم يدخل بيت عائلة جزائرية! قلت الأمر يتوقف على التوفيق وعلى الوسط الذي تعيش فيه، وقلت في سري ويتوقف على الشخص أيضاً!
 *******
عندما عبست الأقدار في وهران الباهية!
وصلت إلى محطة الحافلات في العاصمة، ومنها توجهت إلى ديار العافية، في منطقة العناصر، في الجزائر العاصمة، أين يسكن صديقي (س. ف)، الصديق العزيز الذي سبق أن التقيته في مناسبة واحدة فقط في دمشق عام 1972، وكان بيننا أصدقاء مشتركين عزيزين على كلينا. كان صديقي مهندساً يعمل في إحدى أهم وأكبر شركات البناء والانشاءات (DNC) التابعة للجيش الوطني الشعبي. كانت الجزائر في تلك الفترة أشبه بورشة عمل كبيرة، تعمل وفق استراتيجية وطنية للبناء والتنمية، خطها الرئيس هواري بومدين، رحمه الله وطيب ثراه. وكان منتظراً أن يؤدي تطبيق هذه الاستراتيجية إلى خروج الجزائر من إطار الدول النامية، أو ماكان يسمى دول العالم الثالث لتلتحق بركب الدول المتقدمة، حسب تقدير كثير من المراقبين وقت ذاك. وصلت إلى البيت المقصود قبل عودة صديقي من عمله، التي لم تتأخر كثيراً. كان صديقي يقتسم الشقة مع صديق آخر له. مكثت عندهم أياماً قليلة كانت كافية لأتذكر على الدوام محبتهم وكرمهم والإمتنان لمساعدتهم، ولكن كان عليّ أن لا أتأخر بالتوجه إلى وهران، ودعتهم شاكراً لهم كل ما قدموه لي. هناك ناحية لم أكن لأشير إليها في الزمن الماضي، ولكن في أيامنا الراهنة قد تكون الإشارة إليها مفيدة، وهي أن صديقي وزميله في السكن لم يكونا من منطفتي أو مدينتي.
وصلت وهران عبر القطار، ودون عناء يذكر وصلت إلى حيث يسكن أستاذي وصديقي الدكتور مصطفى عتقي، وكان يسكن لوحده. أمضينا السهرة في الحديث عن أخبار البلد، وعن سبب التأخر بالمجيء، أوضحت أن الأمر يعود لاجراءات الحصول على جواز السفر، ولم يكن الأمر خافياً عليه، أو عصياً على فهمه، فقد كان يعلم الوضع، العام والخاص، بشكل مفصل ودقيق. في اليوم التالي ذهب الأستاذ إلى الجامعة كعادته، وتركني أرتاح في البيت. وعندما عاد من الجامعة حمل معه خبراً مؤسفاً، شكل صدمة كبيرة لي: من غير الممكن توقيع عقد مع الجامعة للسنة الجارية بسبب مضي القسم الأكبر من السنة الجامعية، وأنه لا بد من الانتظار حتى نهاية الصيف موعد توقيع عقود العمل للسنة القادمة.
مكثت عند الدكتور مصطفى أسبوعأ أو أكثر بقليل، ورأيت أنه من الأنسب لي أن أعود إلى الجزائر العاصمة حيث يوجد عدد من الأصدقاء وزملاء الدراسة السابقين. وفعلاً عدت. في البداية نزلت عند الصديق (س. ف) إلى أن جاءه صديق جديد من سورية، كان من الطبيعي حينها أن أترك له المكان، فأنا أصبحت (قديماً)، ويمكنني تدبر أموري! وهذا ماتم فعلاً. فانتقلت للسكن مع أحد الأساتذة في حي الاسفوديل في بن عكنون في المرتفعات المطلة على العاصمة، حيث تقاسمنا تكاليف السكن وتبعاته. في هذه الفترة تواصلت مع عدد من الطلبة الذين كانون يسكنون في الحي الجامعي في بلفور، قرب حي الحراش. وكنت أعرف بعضهم من البلد. مجموعة منهم كانت تتابع الدراسة في المدرسة العليا (البوليتكنيك) في الحراش (منهم ع. أ والمرحوم ع. ع.). وتعرفت على أصدقاء آخرين، ستتواصل علاقتي معهم وتتوطد (غ. ق. وس. ف.). كما تعرفت على عدد كبير من الطلبة العرب: فلسطينيين (م. م.) ولبنانيين (ع. ح. وح. ح. وكذلك و.ش.) وحتى من ارتيريا، وأتذكر اهتمام وموقف هذا الأخير من غزو تركيا لقبرص.
في الصيف انتقلت للسكن في الحي الجامعي مع الصديق (ع. أ) الذي درست وإياه المرحلتين الإعدادية والثانوية، وكان من الطلبة المتفوقين في سورية وفي الجزائر. أثناء الصيف كنا نقضي النهار في معظم الأيام في العاصمة، ونعود إلى الحي الجامعي في آخر حافلة حوالي منتصف الليل. كانت الحافلة تنطلق من ساحة الشهداء لتتوقف في حي الحراش، ومن هناك نتابع السير مشياً على الأقدام حوالي عشرين دقيقة. وكنا نسمع كلاماً كثيراً حول خطورة السير في ساحة الشهداء وحي الحراش، ولكن للأمانة لم نتعرض خلال أشهر لأي محاولة اعتداء أو اعتراض، لا أدري إن كان الأمر يعود لميل الناس إلى المبالغة في الحديث عن المخاطر أم لتوفيق بسبب رضا الوالدين ودعائهما، وربما للأمرين معاً.
مع الأيام أخذت (الزوادة) المتواضعة التي حملتها معي بالنقصان، وكان عليّ تدبر الأمر قبل أن تنفد، علماً أني كنت مطمئناً بوجود أصدقاء حقيقيين، ولكن كنت من الذين يرون الاعتماد على النفس مبدأً أساسياً، سواء تعلق الأمر بالإنسان الفرد أو الشعب. وعندما علمت بافتتاح مدرسة خاصة في حي بلفور أثناء العطلة الصيفية، توجهت فوراً إليها، وأصبحت ضمن عداد المدرسين مقابل أجر ليس بالكبير، ولكنه كان كافياً لتغطية التكاليف، وهكذا أمضيت الصيف. وكنت على تواصل دائم مع أصدقائي من الطلبة الساكنين في الحي الجامعي. لتحدث مصادفة سعيدة في نهاية الصيف سيكون لها تأثير كبير على ما بعدها. 
يتبع
في عقل العدو (1 و2).. أنظر لعدوك بعين نفسه
الرئيس حافظ الأسد وحرب تشرين
اغتيال الشهيد السید حسن نصر الله واختراق السیادة اللبنانية من وجهة القانون الدولي
صناعة الإرهاب هي مهنة أمريكية بامتياز
بعدَ فلسطينَ ولبنانَ هل ستتوسّعُ (خرائطُ) نتنياهو العدوانيّةُ على سورية؟
وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!