كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كنت دوما ما أتهرّب من سؤال: ماذا لو غيّب الموت سماحته؟

حاتم شلغمي- تونس

كنت دوما ما أتهرّب من سؤال:
ماذا لو غيّب الموت سماحته؟
و الحق كنت دوما عاجزا عن أن أتخيّل ذلك اليوم ووقع ذلك الخبر على نفسي وعلى وجداني... ليس تأليها للشخص أو تضخيما، أو تعلّقا أعمى به، فيعرفني الجميع هنا، شخص عقلاني إلى أبعد الحدود... وإنما تصديقا وحبا واحتراما ووِدادًا وارتياحا!
أما ، و أنا الآن في ذلك اليوم الذي لطالما تهرّبت من مجرّد تخيّله، و تحت وطأة الوقع الذي سُلِخ به غشاء قلبي الدامي وأُرهقت به عيناي الدامعتان مرارة ...
أنا أقولها صراحة: لا أحد في هذا الكون يستطيع إنزال سماحته من على جواد المجد خاصته، ولا أحد في هذا العالم يستطيع تعويض هذه الخسارة الكبرى...
قد تنتظر المقاومة شخصا آخر من ذات الطينة وذات الجودة فكرا وإيمانا... ولكن سماحته، كان استثناء ونموذجا متفرّدا لا يعوّض ولا يُستبدَل ولا يُستخلَف، جمع في صفاته ومهاراته الشخصية، العقائدية، الفكرية وأهم من ذلك كله، مهاراته القيادية والخطابية ما يجعله، فلتة فريدة من فلتات هذا العصر التي يصعب تعويضها سريعا... والتي سيخلّها التاريخ طويلا.. طويلا جدا..
ولا أعلم حقا ماذا ستحمل من بعده الأيام والليالي القادمة الثقيلة العصيبة من تاريخ منطقتنا المكلومة..!
شهيد وأبو شهيد ورفيق درب آلاف الشهداء وسيّدهم
مهما كان مصير منطقتنا، هذا اليوم وهذا التاريخ القاتم، سيكون مفصليا وحاسما في تاريخ فلسطين ولبنان وأمة المقاومة دولا وحركات وجماعات وأفراد.
ولا يكفيني في ذلك كله حتى تحقيق فكرة وهدف إزالة هذا الكيان الإرهابي من الوجود...!
******
 كنت حين سمعت هذه الرسالة، صغيرا مراهقا،.. و كنت أتابع حينها حرب تموز 2006 يوما بيوم و لحظة بلحظة، لا أغادر قناة المنار أبدا.. ورغم صغر سنّي حينها، عندما سمعت تلكم الكلمات تعجّبت هل يمكن لقائد أن يعبّر عن حبه لمن هم دونه في المراتب؟ وعلى الهواء؟ ويتودّد ويتلطّف منهم أن يقبلوه واحدا منهم؟ أذكر عندها جارا لنا حين قال لي "هو مختلف عن جميع من نعرفهم يا بني وسينتصر على كل أعدائه" ...
وكأني أسمعه اليوم يلقيها عليهم مرّة أخرى.. وكما أنتصر بهم وانتصروا به.. سينتصر بهم وسينتصرون بدمائه وبروحه وببِنائه الذي بنى.
"وصلتني رسالتكم، و سمعت مقالتكم، وأنتم والله كما قلتم.
نعم، أنتم الوعد الصادق، وأنتم النصر الآتي بإذن الله.
يا إخواني، أنتم أصالة تاريخ هذة الأمة، وأنتم خلاصة روحها، أنتم حضارتها وثقافتها وقيمها وعرفانها، أنتم عنوان رجولتنا وشموخ الأرز في قممنا وتواضع سنابل القمح في ودياننا.
أنتم الشموخ، كجبال لبنان الشامخة عاتية على العاتي، عالية على المستعلي، أنتم بعد الله تعالى الأمل والرهان. كنتم ومازلتم و ستبقون الأمل والرهان.
أقبّل رؤوسكم التي أعلت كل رأس، وأقبّل أياديكم القابضة على الزناد، يرمي بها الله تعالى قتلة أنبيائه وعباده والمفسدين في الأرض، وأقبّل أقدامكم المنغرسة في الأرض فلا ترتجف ولا تزول من مقامها و لو زالت الجبال.
يا إخواني، يا من أعرتم لله جماجمكم، و نظرتم إلى أقصى القوم، جوابي لكم هو شكر لكم، إذ قبلتموني واحداً منكم، وأخاً لكم، لأنكم أنتم القادة، وأنتم السادة، أنتم تاج رؤوس، ومفخرة الأمة، ورجال الله الذين بهم ننتصر."
رسالة سماحة السيد حسن نصر الله للمقا ومين في حرب تموز 2006.