كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نحن أمة تحترم الخونة وتصلب الأبطال.. قبسات من الصراع الطائفي في الإسلام

بودايف محمد عمر

أراقب مايحدث على الساحة العربية بعجب واندهاش. الخونة يتسلمون أعلى المناصب ويسيطرون على المفاصل الاقتصادية والمنابر الاعلامية.
أولادهم يسرحون ويمرحون في بلدان أوربا بين أحضان العاهرات ودور التحشيش وحانات القمار.
وبالطرف الثاني أرى البسطاء من الناس بدون حول ولا قوة وهم يركضون ليل نهار لكسب قوت يومهم. وإن غرد أحدهم خارج السرب السياسي أو الديني فمصيره إما على خازوق التخوين أو تحت سكين التكفير.
تساءلت كثيراً عن السبب حتى عجزت، فلجأت الى التاريخ بحثاً عن السر، وليتني مافعلت.
اتضح لي أن خونة اليوم ماهم إلا صور لنماذج خونة الماضي وما أكثرهم. وتبين لي أننا أمة لاتستفيد من تجاربها، وتلدغ من الجحر نفسه ألف مرة.
أمتنا ليس لديها تقاليد معاقبة الخونة وأولادهم وأحفادهم، ليس لديها تقاليد مقاطعة الخونة ونبذهم اجتماعيا ومنعهم من تقلد المناصب الحكومية، وبالنتيجة، ترسخت قيم الخيانة وصارت إحدى مكونات الشخصية العربية، والأحداث الجارية في سورية خير دليل على ذلك.
واتضح لي أيضاً بأننا الأمة الوحيدة في العالم التي تطالب المنتصر بتسليم سلاحه بدلا من مكافأته، وترفع الخائن الى كرسي القيادة. وكل ذلك يتم بتحالف الطبقة السياسية مع رجال الدين.
جولة في الذاكرة
كلنا نعرف شقيق البطل صلاح الدين الأيوبي الملك العادل أبي بكر، هذا الرجل هو الذي سلّم يافا الى الصليبيين وقوى شوكتهم.
وبدلاً من أن يذكره المؤرخون كخائن لينفر الناس منه ومن أمثاله، نراهم يعيدون الأمر لله ويترحمون عليه!
وعلى سبيل المثال: يعلق الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء الجزء ال22 على تصرفات هذا الخائن قائلاً: فالأمر لله.
وماذا عن الخيانة وموالاة الكفار وتسليم ارض المسلمين للأعداء، والمشاركة بقتل المسلمين والفرار من الزحف؟ كل تهمة من تلك التهم كافية لوصمه بالخيانة والحكم عليه بالقتل. لكننا كما قلت أمة تتساهل مع الخونة وتصلب الأبطال.
وبالنسبة لمظفر الدين الايوبي الذي التحق بالصليبيين في معركة (قلنسوة) حيث سفكت فيها دماء أكثر من مائة الف مسلم، فإن الإمام الذهبي يعلق على خيانته بقوله: سامحه الله.
فهل هناك أمة يطلب رجال دينها وأئمتها من الله أن يسامح خائناً شارك بسفك دماء مائة ألف مسلم إلا نحن، بينما يهدر أولئك الأئمة دم المسلم الذي يشكك بأحاديث أبو هريرة أو البخاري؟
والخونة الذين سلموا القدس وطبريا وعسقلان للصليبيين نالوا الدعاء نفسه من حضرة الإمام.
ويذكر رشيد الدين في جامع التواريخ (تاريخ المغول-هولاكو) الجزء الأول: إن عز الدين كيكاوس الثاني رسم صورته على زوج نعل من الأحذية وقدمها لهولاكو قائلا: "عبدك يأمل أن يتفضل الخان فيشرف رأس عبده بوضع قدمه المباركة عليها"
أليس هذا مايفعله كل يوم قادة الأمة العربية والإسلامية بشكل أو بآخر؟
ترى، لو نال الخونة القدماء عقابهم من شعوبهم هل كان الخونة الحاليون يجرؤون على الخيانة؟
قاضي القضاة شمس الدين القزويني
يقول الجوزجاني: "إن شمس الدين هذا كان على اتصال بالمغول، وكان إماماً وعالماً كبيراً. ذهب مرة إلى منكوخان وطلب منه أن يضع حداً لشر الملاحدة (الاسماعيليين) ويخلص الناس من فسادهم"، كما يعلق الجوزجاني قائلاً أيضاً: "إن كلمات هذا القاضي كان لها أثر عميق في نفس منكوخان إذ نسب إليه الضعف لأنه لم يستطع أن يستأصل شأفة هذه الطائفة التي تدين بديانة يخالف ديانات المسيحيين والمسلمين والمغول".
فقاضي المسلمين هذا كان همه التخلص ممن يسميهم بالملاحدة الاسماعيليين، فهم أي، الملاحدة ليسوا على إحدى الديانات الثلاث المعترف فيها مغولياً، فوثنية المغول ليست إلحاداً عند شيخ الاسلام! ولو دان الاسماعيليون بديانة المسيحيين أو المغول لرضي حضرة القاضي عنهم! وللأسف، نجح هذا القاضي في مبتغاه وسقطت قلاع الاسماعيلية أمام المغول وبذلك صارت الطريق مفتوحة وسهلة باتجاه بغداد!
شيوخ الظلام لم يروا في الاسماعيليين إلا اعداء لمذهبهم، لم يدركوا أنهم كانوا يحمون الطريق الى بغداد، حقدهم الطائفي المذهبي أعمى عيونهم عن أمن الوطن فسقطوا وأسقطوا الوطن معهم.
ومازلنا نسير على خطى السلف الصالح
من المعروف إن بعض رجال الدين في ليبيا هم من أفتى بكفر المجاهد عمر المختار، وإن الشارف باشا حمد الغرياني هو الذي سلّم عمر المختار إلى الايطاليين ليعدموه.
وبعد ذلك، ساعد الطليان عميلهم على الهرب إلى مصر خوفاً من انتقام الليبيين.
وأنوه إلى أن رئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس القضاء الأعلى في مصر المستشار حسام الدين الغرياني هو حفيد الخائن شارف الغرياني.
وإن الصادق عبد الرحمن علي الغرياني، كان مفتي المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا بعد مقتل معمر القذافي.
رفقا صورة نادرة لصحيفة بريد برقة الليبية وعنوانها الرئيسي:
القبض على عمر المختار زعيم العصاة في برقة.
في الصورة حضرة المفتي يرحب بالايطاليين ويعلن أن عمر المختار من الخوارج.