كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

قصة قصيرة مؤلمة

أسامة سلامة

 من أوائل الطلبة الذين تعرفت عليهم في بداية دراستي الجامعية أواخر ستينات القرن الماضي في جامعة دمشق كان الطالب محمود كرد علي وهو أبن السيد طريف كرد علي أول طيار مدني سوري، وجده لوالده العلامة والمؤرخ والأديب محمد كرد علي أول وزير للمعارف في سوريا الحديثة، ومؤسس مجمع اللغة العربية في دمشق، كان محمود شابا وسيما جميل المحيا طويل القامة أبيض البشرة يرتدي النظارات الطبية التي كانت تعطيه وقارا وهو في مطلع شبابه، على وجهه إبتسامة دائمة، دمث الأخلاق وشديد التهذيب، أحبني وأحببته كثيرا، كان يدعوني إلى بيت أهله العامر لتناول طعام الغذاء ويزورني في البيت الذي كنت أستأجره بشكل دائم، توطدت علاقتي مع محمود كثيرا وكان يدعوني إلى قصر جده محمد كرد علي في قرية جسرين بغوطة دمشق الذي آل لوالده بعد وفاة جده الوزير والعلامة، وكنا نقضي هناك أغلب أيام الجمع والأعطال الرسمية، تخرجنا من الجامعة وكان تعييني في مؤسسة المشاريع الكبرى بدمشق وسافر محمود إلى لندن لمتابعة علومه العليا، تبادلنا الرسائل البريدية لمدة عام تقريبا ثم أنقطع التواصل بيننا نهائيا، لم يبارح محمود مخيلتي أبدا وكنت أتوق لمعرفة أي شيئ عنه ولكن هيهات، إلى أن جاء هو في زيارة لدمشق في حدود العام 2000 وسأل عني صديقا مشتركا أعطاه رقم هاتفي الأرضي، رن جرس الهاتف عصرا في منزلي وكان صوتا حميما من الماضي البعيد: أنا محمود يا أسامة، ذهلت حين سماع صوته وسعدت كثيرا، وقال لي لقد أتيت سوريا لزيارة الأهل ومعي زوجتي وأبنتي الوحيدة والعودة إلى لندن بعد حوالي الشهر، تبادلنا الإتصالات الهاتفية لعدة أيام، ثم قال لي محمود سأحضر وعائلتي إلى اللاذقية لقضاء بضعة أيام نراك فيها بعد هذا اازمن الطويل، حدد لي موعدا لوصوله إلى اللاذقية وقبيل وصوله بأيام إتصل بي الصديق المشترك قائلا: سأخبرك بخبر مؤلم: "لقد مات محمود بالسكتة القلبية وكنت اليوم في جنازته"، صعقني موته وأحزنني كثيرا عليه ولأن فرحتي لم تكتمل بلقائه.
مات محمود كرد علي وأنا لم أره منذ أكثر من 50 عاما ولا يزال حتى اليوم لا يبارح خيالي فهو حي في ذاكرتي حتى آخر العمر.