كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نصر شمالي متذكراً خلدون المالح وهادي العلوي

نصر شمالي

حادثة طريفة قديمة جداً قد تستحق الذكر عن المخرج العربي الدمشقي الكبير الراحل الأستاذ خلدون المالح (1938-2016) ففي الستينيات، كنا وفداً رسميا كبيراً زار الجزائر وفي عداده المخرج خلدون المالح، وفي طريق العودة إلى دمشق ولسبب يتعلق بشركة الطيران كان علينا قضاء نهار وليلة في جنيف بصفتنا مسافرين، وقد أنزلونا في فندق (أظنه كونتيننتال) على تخوم بحيرة جنيف، ووضعونا في غرف متجاورة..
ودخلت غرفتي فلم أجد فيها سريراً للنوم! ورحت أجول بنظري في أنحاء الغرفة متعجباً غير مصدق! خرجت من الغرفة لأرى إن كان حال زملائي مثلي، وإذا بالمخرج خلدون المالح يغادر إحدى الغرف مودعاً مشكوراً من قبل نزيلها من أعضاء الوفد! قلت له: "لا يوجد في غرفتي سرير يا أستاذ خلدون"! لم يجب ولم يظهر على وجهه أي استغراب أو أية علامة تساؤل، بل توجه صامتاً جاداً نحو باب غرفتي المفتوح وأنا أتبعه صامتاً بدوري! دخلنا الغرفة، وتوجه خلدون على الفور إلى أحد الجدران وأخرج منه سريراً مخفيا فيه! قلت له ضاحكاً: "أنت حقاً مخرج يا أستاذ خلدون يسلمو إيديك"
*******
 تذكرت.. المفكر العربي العراقي الكبير المناضل الأستاذ هادي العلوي (١٩٣٣ - ١٩٩٨) المولود في بغداد والمدفقد تكون صورة ‏نص‏ون في دمشق..
فذات ليلة من ليالي العام ١٩٩٧، وقد كنت وحيداً في بيتي الريفي في الغوطة الشرقية غارقاً في كتبي وكتاباتي، اتصل بي هاتفياً المرحوم الأستاذ منير العبد الله المحامي المناضل والشخصية العربية السورية المعروفة، وقال لي أن الأستاذ هادي العلوي طلب منه رقم هاتفي ليتحدث إلي، وأنه سيعطيه الرقم إن لم يكن لدي مانع! قلت: "كيف أمانع في التحدث إلى الأستاذ والمفكر الكبير! لكني لم أتعرف إليه مباشرة فما الموضوع؟"، قال الأستاذ منير: "قرأ لك وهو متحمس لمعرفتك"! قلت: "هذا شرف كبير لي"..
وبعد لحظات رن الهاتف وكان هادي العلوي الذي قال على الفور: "أين أنت يارجل! كيف لم نلتق حتى الآن؟ نحن نطلق رصاص البنادق على النظام العالمي وأنت تطلق عليه قذائف المدفعية فكيف لم نتعارف حتى الآن؟".. الخ!.. الخلاصة، اتفقنا على اللقاء في اليوم التالي في مكتبي في دمشق، وكانت صداقة، وتبادل زيارات، ومناقشات، وتبادل آراء حول حال العالم وحال الأمة، وقد أذهلني بغزارة إنتاجه وبسعة علمه وأفقه، ودقته في تحديد الأساسيات والربط الإيجابي بين التراث والمعاصرة.. ثم فاجأني ذات يوم، قبل وفاته بقليل، بدخوله مكتبي وعلى رأسه الكوفية والعقال! سألته عن ذلك مستغرباً، فأجاب: "أريد أن أكون عربي المظهر أيضاً وسوف أرتدي الزِّي العربي بالكامل ولن أخلعه أبداً"! رحمه الله.