كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عندما يُغتال حُلم الشباب العلوي في لبنان

الشيخ الدكتور شادي عبده مرعي

لم أجد صعوبة في التعبير عن الفكرة التي أريد إيصالها خلال السنوات السبع من كتابة المقالات مثل هذه المقالة، التي ستضعني في مواجهة مخيفة مرعبة، ولكن كما قال الشاعر العلوي "المكزون السنجاري":
إعلان
وخُضْ غَمراتِ الموتِ، لا بَاخلاً بما/عليكَ بِنِزْرٍ مِنْهُ، قَدْ أنعَمَ الدَّهرُ
وكنتُ أنتظر مع الحالمين في محطة المستقبل، مثقفاً علوياً شاباً، يقود قطار التغيير إلى الأمل المنشود؛ فانتظرنا طويلا وطويلا حتى كاد يقتلنا الانتظار...
وبغفلة من الزمن هبط على رؤوسنا، بمظلة منتفخة بالابتسامات والمُبْهَماتِ... وإنصافا:
يحمل طيبة ظاهرة، ولكنها للأسف كانت بالتجربة مصطنعة خداعة.
وقد تواعدنا وخضنا معه حرب الوصول إلى الانتخابات في المجلس الإسلامي العلوي، وانتصرنا بها، حيث كان لي الفخر أنني كنت من أوائل المطالبين بها، حتى قبل أن يكون هو شيئا معروفا في الطائفة، منذ سنوات وسنوات، ومقالاتي في كبريات الصحف والمواقع اللبنانية أكبر شاهد على ذلك، ثم كنتُ الوحيد من المشايخ الذي دفعَ فاتورة باهظة من أجل هذه الانتخابات المنتظرة.
وانطلقت العملية الانتخابية بتأسيس لجنة مشرفة من مشايخ ومدنيين؛ بادّعاء منه موصوف ومعروف أنها صنيعته...
لجنة صُنعتْ بقرار أمني خارجي، لعب بها دور البطل الطرزان؛ الذي استطاع أن يتنقل من حبل خلافٍ، إلى حبل وعدٍ آخر، بحركات بهلوانية قفزت فوق أوهام الجميع وحققت هدفها المبطن.
وفي الوقت الذي العلويون فيه بأشد الحاجة إلى ترسيخ انتمائهم اللبناني، يُنسف هذا الانتماء باستدعاءٍ أمني خارجي واحدٍ قطع قلب الجميع وأنا أوّلهم.
ثم نظرنا إلى هذه اللجنة؛ فإذا هي محاصصة بغيضة، لا تستند إلى أي معيار علمي أو ديني؛ بل توزيع جوائز مُخرسة لأكبر شريحة معترضة.
وانطلق بعض الأعضاء المُعَيَّنين إلى التهديد المسبق، تنفيذا لأحقاد دفينة، بنزع عِماماتٍ شابّة، تعبت وسهرت وحققت وجوداً لبنانيا متقدما على ما سواها، والفقير لله من ضمنهم.
كما أن اللعبة كلها محصورة ضمن أسماء لا مستقبل لأيّ شاب فيها، ولا سبيل له للاعتراض، فهو سيخالف القرار الخارجي المزلزل المبجّل.
وهنا برزت إشكالية التعميم واللجنة الانتخابية في المجلس الإسلامي العلوي:
قد يكون العبد الفقير هو الأخير الذي تعمم بطريقةٍ قانونيةٍ وعلنيةٍ، وسطَ احتفالٍ حاشدٍ في مبنى المجلس العلوي في جبل محسن، مع أخوَيْن آخرَيْن، في أيار 2015.
ومن بعد هذا التعميم، صرنا نسمع عن تعميم من هنا، وتهديدِ نزعِ عمامة من هناكَ، تداخلت فيها الأهواء السياسية، فراحتْ تُهدِّدُ كل شيخٍ محتجٍ، وترشو كل راغبٍ موالٍ...
وبغضِّ النظرِ عن التهديداتِ والترغيباتِ المتقاذفةِ بين الأطرافِ السياسية التي تسعى لفرضِ قبضتها على المجلس العلوي، ومن هم غير المشايخ الذين يُستطاع بهم تحقيقُ ذلك الأمر؟
فإنَّ العِمامة العلوية قد انتهكتْ حرمتها من أبنائها، وصارتْ مثاراً للطعن والتشهير بكل موبقةٍ، بتحريضٍ فاضحٍ من السياسيين ومن يحمل راية الدفاع عنهم...
ولم يعد هناكَ عِمامة معصومة من الطعن، فالكلُّ مُسَلَّطٌ عليه سيفُ القدح والذم والتعيير، فالفايسبوك (النائبي) جاهز غب الطلبِ للإنقضاض على كرامة كل معارض.
حتى ان توصيفنا لهم بـ"سياسيين" غير دقيق، فهم لم يرتقوا أبداً إلى مرتبةِ سياسي، يعرفُ الحدود، ويحافظُ على مبادئَ لا يجب انتهاكها مهما بلغتِ المخاصمة السياسية.
ولكننا هربنا من ذكرهم إلى هذا التوصيفِ قرفاً...
والمعادلة المطروحة اليوم في مجتمعنا: من يُحاسب النائب، نحاسبُ في مقابله الشيخ...
ومن يرفضُ أداء نائبٍ، ننزع عمامته، ونشهّر بكرامته.
فلتخرس أصواتُ المشيخة المعترضة، وإلّا، فنائِبنا المقدس بالمرصاد: سيحرمهم من أبسط حقٍ لهم، وهو الدخول إلى مؤسستهم الأمّ الوحيدة التي عمَّمتهم، فالقانون الداخلي للمجلس جعل أمره بيديهما حصراً.
وفي المقابل، أدرج سعادته نمطاً جديداً من المشيخة: كن ابن شيخ فأنت شيخٌ، حتى وإن كان أبوك شيخا متوفىً فأنت شيخ، ولو كنت أمّيا مشعوذا، لا يهمّ أبدا، المهم أن تخرج من نسل شيخ، أطلق عليهم اسم العائلات الدينية تعمية وتضليلاً.
وفي مقابل دكتور وصاحب أطروحة فقهية أو أدبية أو سياسية، ذهب النائب المثقف لاختيار ابن شيخ قد لا يعرف الفرق بين العقائد والفقه.
كل ذلك لا يهمُّ عند الدكتور النائب ذي الأنف المنفوخ تعجرفا، والقرار الخارجي تعسفاً.
وقد أقفل باب الترشيحات ليمضي بانتخابات جديدة لا يتجاوز عدد الذين تم تعيينهم في فرع النائب الأمني المئتين، لطائفة أكثر ما تفتخر به أنها تمتلك آلاف الشهادات.
والسؤال الأخير الذي أختم به للرأي العام وللعلوي خصوصا:
هل تقبلون أن يكون في مقابل سماحة العلّامة مفتي طرابلس شخصا لا يوازيه تحصيلاً علميا في طائفتكم؟
إن الجواب عن هذا السؤال يوضح بشكل كبير أيُّ حفرة أوقعنا بها جميعا بأظافره النائب الذي أثبت التعاطي معه أنه غير مؤتمن، فقد كثرت اضطراباته، كما كثرت تقلباته. 
النهار