كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

القطاع الزراعي.. ضحية أخرى للحرب في سوريا

فادي الياس نصار - فينكس

سُميت “سوريا” الطبيعية قديماً “عنبر روما” ذلك لخصوبة أراضيها واتساعها، وتنوع محاصيلها و وفرة مياهها، ويعتبر أكثر من ثلث مساحة سوريا صالح للزراعة، أي ما يقارب 6.5 مليون هكتار تزرع بالمحاصيل الزراعية على أنواعها، من الحبوب والقطن، الى الفاكهة والخضار بأنواعها، وصولاً الى الزيتون والفستق الحلبي… الخ.

ضربة قاسية
يشتغل في الزراعة أكثر من 20 في المائة من السوريين، هجَّرت الحرب المندلعة في البلاد، منذ ثلاثة عشر عاماً معظمهم، بعد أن قطعت الطرق التي توصل إليهم المواد اللازمة للزراعة من بذار، سماد، مبيدات، مازوت وغيرها، وأدت التفجيرات الى انسداد قنوات الري، ومنعت المجموعات الإرهابيّة الفلاح من تسليم محصوله الى الدولة، وتحكم تجار وسماسرة أسواق الهال بالأسعار، أضف الى ذلك أن أسطول الفساد الحكومي قد عَظُمَ، و استشرى الترهل والمحسوبيات، فأصبح الفلاح يدفع التسعة ليأكل العشرة.
الأقماح.. كارثة حقيقية
منذ أن هجَّنَ الفلاح السوري و زرع نوعاً من القمح البري وحيد الحبة، في سهول ووديان الجزيرة السورية، منذ عشرة آلافٍ وخمسمائةِ سنةٍ، وإلى يومنا هذا لا تزال المنطقة الشرقية من البلاد (مساحتها 41.8 من مساحة سورية وتضم محافظات دير الزور،الحسكة والرقة)، تحتل المرتبة الأولى من حيث الإنتاج، حيث تعطي 64 في المئة من إنتاج البلاد من القمح المروي، و38 في المئة من القمح البعلي.
و تعتبر منظمة (الفاو) العالمية، سوريا “مخزن القمح في الشرق الأوسط”. حيث احتلت سوريا المركز الثالث عالمياً بتصدير القمح القاسي بعد كندا والولايات المتحدة، (يمتاز هذا النوع من القمح بكبر حجم الحبوب، القساوة البلورية، واللون العنبري الأصفر).
وتذكر تقارير المنظمة المذكورة، أن محصول القمح السوري انخفض خلال سنوات الحرب، الى أدنى مستوى له منذ 25 عاما، حيث تراجع من 3.5 مليون طناً عام 2011، الى 477 الف طن في عام 2015 (13% فقط)، نتيجة العطش وعدم وجود البذار والسماد وغيرها من أساسيات تلك الزراعة، وتأخر حصاد المحصول، بسبب قلة اليد العاملة، وامتناع أصحاب الحصادات عن تأجيرها، مع غياب الأمن، إضافة إلى أن آلاف من الهكتارات قد أحرقت على أيدي الفصائل المتقاتلة.
الى أن عاد الموسم هذا العام 2024 فارتفع الى حوالي 1.7مليون طن (50% من اجمالي الانتاج قبل الحرب).
الأقطان... ضحية أخرى
تقلصت المساحات المزروعة بالقطن خلال فترة الحرب، ففي عام 2015 لم تتجاوز الـــ 20 بالمئة من المساحات التي كانت تزرع قبل الحرب (لم تصل الى 4500 هكتار)، ما أدى الى انخفاض الإنتاج الى أكثر من 45 بالمئة، علماً أن معظم المحافظات التي تزرع القطن بكثافة (الرقة، دير الزور، وقسم كبير من محافظة الحسكة)، عندما كانت تقع تحت سيطرة ما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش”، أصابها خسائر فادحة بالمواسم، حيث قام التنظيم بإحراق 50 ألف طن من القطن خلال العام 2015 وحده، ومنع الفلاحين من الوصول الى الأراضي، وحال دون وصول البذار والسماد والمبيدات الحشرية الى تلك المحافظات.
أما هذا العام فقد جاءت تقديرات مديرية التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة كالآتي: نسبة المساحات المخططة لزراعة القطن للموسم الزراعي 2023-2024 قد بلغت نحو 14419 هكتاراً وبإنتاج متوقع يبلغ 43257 طناً.
الشمندر السكري... إستراتيجي ولكن!
بعد القمح والقطن، يعتبر الشمندر السكري ثالث أهم محصول استراتيجي في سوريا، و تنبع أهميته من كونه المحصول السكري الوحيد الذي يمكن استخدامه في صناعة السكر.
وبعد أن كان يُزرع، كل عام، على مساحة تقارب 30 ألف هكتار، وكان إنتاج البلاد منه، قبل العام 2011، يصل إلى حوالي مليوني طن (ثلثها من سهل الغاب)، ومردود السكر الخام الناتج يغطي حوالي أكثر من 40 في المئة من حاجة البلاد المحلية".
فإنه في عام 2021، ونتيجة لظروف الحرب، وارتفاع أسعار الأدوية الزراعية والأسمدة وصعوبة تأمينها، وصعوبة تصريف الإنتاج (معامل السكر الحكومية الثلاث متوقفة)، قد بلغ إنتاج الشمندر في سوريا صفر طن.
الغابات
تقول بعثة "الفاو" وبرنامج الغذاء العالمي، في أحد تقاريرهما، أن الغابات في سوريا تتعرض لاستنزاف بفعل الحرب، فقد انحسرت الغابة في محافظات طرطوس واللاذقية نتيجة الحرائق والقطع المتنامي من قبل الحطابين والفحامين (تجار الحطب و الفحم)، والرعي الجائر، إضافة الى القذائف والمتفجرات التي طاولت غابات كبرى في سوريا مثل (غابات كسب وسلمى وغيرها)، ويقدر عدد الأشجار التي تم قطعها بأكثر من 15000 شجرة صنوبر، ومثلها من أشجار البطم في محمية جبل عبد العزيز، بعضها يبلغ عمره حوالي ثلاثمئة سنة، وآلاف الأشجار الأخرى تم قطعها قرب منطقة الزبداني في موقع (عطيب – شميس الأحمر – الشعرة)، في حين تُركت دون قطاف آلاف الهكتارات من أشجار الزيتون في مناطق مثل “عفرين”، ومن أشجار الفستق الحلبي كما حدث في بلدة “مورك” في ريف حماة.
الغوطة
كانت مملكة الفاكهة والخضار السورية، ما قبل بداية الحرب في سوريا موجودة في غوطة دمشق (الغربية والشرقية)، والتي كانت تمور بأشجار المشمش بأنواعه البلدي والحموي، (تحتل سورية المرتبة الأولى بإنتاج المشمش على المستوى العربي والمرتبة الثامنة على مستوى العالم)، التوت (التوت الشامي)، الخوخ، الأرصيه، الدراق، الكرز والجوز، وكذلك تشتهر الغوطة بزراعة كافة أنواع الخضار (كانت سوريا، قبل عام 2011، تصدر سنوياً ما يقرب من مليوني طن من الخضروات).
ففي الغوطة الغربية، وتحديداً في المناطق الساخنة، كالربوة، كفر سوسة وداريا التي تشتهر بكافة أنواع العنب، فيما الغوطة الشرقية ومركزها مدينة دوما، فكانت تتميز ببساط أخضر وآلاف الهكتارات من أشجار الفاكهة الشامية الشهيرة (المشمش والخوخ والدراق والكرز والتوت والجوز وغيرها). تعاني كلها اليوم، وبعد سنوات من الحرب، من جفاف يخنق الغوطة يوماً بعد يوم، نتيجة الحرب التي أدت الى هجرة الفلاحين لبساتينهم، وسرقة مضخات المياه التي كانت تضخ مياه بردى الى البساتين.
الزيتون.. الذهب الأخضر
لطالما كانت سوريا منتج رئيسي للزيتون، وتعد زراعة الزيتون في سوريا من أقدم الزراعات، ففي فترة ماقبل الحرب وصل مجموع المساحات المزروعة بالزيتون إلى حوالي 650 ألف هكتار ( نسبة 12 في المئة من كامل مساحة الأراضي الزراعية في سوريا)، مزروعة بأكثر من مئة مليون شجرة زيتون، منها 80 بالمائة في المرحلة الإنتاج.
هذه الأرقام جعلت البلاد تنتقل من استيراد زيت الزيتون إلى حالة الاكتفاء والتصدير. يومها احتلت سوريا المرتبة الخامسة عالمياً في إنتاج الزيتون والرابعة في إنتاج زيت الزيتون، حيث قارب الإنتاج ال 1.2 مليون طن من الزيتون، كان يصنع منها حوالي ال 170 ألف طن زيتون المائدة، ويتم عصر% المتبقي لاستخراج حوالي 165 ألف طن من زيت الزيتون.
تراجعت تلك الزراعة تراجعاً واضحاً منذ بداية الحرب عام 2011 من حيث كميات الإنتاج الى أن وصل إلى حوالي 40 ألف طن، فيما بلغ الإنتاج قبل الحرب حوالي 150 ألف طن.
اخر تقديرات لوزارة الزراعة تقول أن إنتاج الزيتون للموسم الحالي 2024 بحوالى 82 ألف طن، ويتوقع أن يلامس إنتاج زيت الزيتون 125 ألف طن!... نتمنى ذلك.
الحمضيات
تعمل في زراعة الحمضيات حوالي خمسين ألف أسرة سورية، يضاف إليها مئات الآلاف من العمال المياومين، ممن يساعدون في عمليات الخدمة المختلفة، من قطاف ونقل وتسويق وغيرها، وقد احتلت سوريا قبل الحرب، المرتبة الثالثة عربياً في إنتاج الحمضيات والسابعة على مستوى دول حوض البحر المتوسط و المرتبة 20 على مستوى العالم، وقت وصل الإنتاج لنحو 1% من الإنتاج العالمي تقريباً.
لكن تلك الزراعة تأثرت بالحرب والعقوبات الإقتصادية المفروضة على سوريا، وارتفاع أسعار السماد والمبيدات الحشرية واجور النقل وتحكم تجار سوق الهال، فيما لايزال المزارعين يحلمون بمعامل لعصائر الحمضيات، لاستيعاب إنتاجهم.
مالعمل؟
لم تقم المجموعات الإرهابية، عبثاً، أو من فراغ، بتدمير ممنهج لكل مقومات الزراعة في سوريا، بدءاً من حرمان الفلاحين الوصول إلى أراضيهم، ومنعهم من نقل مسلتزمات الزراعة (بذار، سماد وسائل الري) لابل وسرقتها، مروراً بمنعهم من تسليم محاصيلهم المختلفة إلى الدولة، ووصولاً الى نهبِ بنك “إيكاردا” للمصادر الوراثية، دون هدفٍ، إنما كان ممنهج، وبتوجيه من داعميها الذين يعرفون تمام المعرفة:
أولاً: أنّ هذا القطاع يُشكل أحد أهم ركائز الإقتصاد الوطني السوري، ويلعب دوراً مهماً، فالصادرات الزراعية تُسهم بنصيبٍ مهم من التجارة الخارجية (حوالي 30 في المئة)، وفي توفير القطع الأجنبي.
ثانياً: كونه يُسهم في سد حاجة السوق المحلية من العديد من السلع، ويوفر العديد من المواد الخام لمختلف القطاعات الإقتصادية والصناعية.
ثالثاً: يُساهم في توفير فرص العمل، وسبل العيش لأعداد كبيرة من السكان (تقريباً 50 في المئة من السكان، يرتبطون بالقطاع الزراعي، بشكل مباشر أو غير مباشر).
رابعاً: يحتل المرتبة الثانية بعد النفط، من حيث عائدات التصدير في ميزان الصادرات السورية.
من نافلة القول، أن الأهمية الكبرى للقطاع الزراعي في بناء اقتصاد أي دولة، هي التي تدفعنا للبحث في أسباب دمار هذا القطاع في بعض المناطق السورية، والبحث بجدية عن حلول جذرية تعيد الحياة إلى شرايين الريف السوري، وتعطي الفلاح دافع كبير وحقيقي للعودة إلى العمل، غير أن يدنا وحدها لا تصفق، فالموضوع يحتاج إلى تضافر جهود مختلف الجهات، و وجود جدية كاملة عند الحكومة، ماذا وإلا سنعود لطرح السؤال الأزلي ذاته: مالعمل؟ 
أعناب سوريا بين الحرب والتغيُّر المناخي!
لماذا حيفا؟.. معادلات الصراع بين الأمن والإقتصاد
مصير غامض لعمال الضفة الغربية وسط أزمة اقتصادية طاحنة
القطاع الزراعي.. ضحية أخرى للحرب في سوريا
تونس.. الموارد المائية بين الأمس واليوم
التغيير ضرورة للتقدم والتطور
ما الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة في سورية.. والحلول الممكنة؟
الحرب الاقتصادية في الضفة.. خسائر مدمرة وكارثية
الحياة الريفية.. ميزاتها وسلبياتها
ألمانيا نادمة لاتباعها السياسة الأمريكية وتطرد لاجئين أوكران وتتبعهم بعرب
إسرائيل.. والحرب الاقتصادية على الضفة الغربية
الليبرالية الجديدة: أساطير وأوهام وتداعيات كارثية على الدول التي تبنتها
قضايا اقتصادية راهنة
قريتي النائية وبيتي الترابي.. طفولتي الهنيئة وذكرياتي الجميلة
المتة.. ماهيتها وأماكن انتشارها.. فوائدها وأضرارها