المخترع العبقري سليمان محمود (الحايك) رفض عرض أمير إماراتي.. و آخر تكريم له في وطنه عام 2021 بـ25 ألف ليرة!
2023.01.31
المخترع العبقري سليمان محمود ابن منطقة صافيتا قدّم عصارة فكره.. مسيرة زاخرة بالاختراعات... وقوبل بالتجاهل من استثمار خبراته والاستفادة من اختراعاته؟!
فينكس - طرطوس - فادية مجد:
مخترع ذاع صيته منذ سنوات طويلة بمسيرة زاخرة بالابتكارات والاختراعات في مجالات متعددة ذات أهمية اقتصادية ومنفعة كبيرة جدا، قدّم من خلالها عصارة فكره وخبرته وشغفه للاكتشاف والاختراع منذ سني طفولته والتي بدأها بصنع طيارة ورقية وماكينة حياكة لتكر السبحة ويقدم الكثير من الاختراعات المتعددة منها على سبيل المثال تصميمه لسيارة تعمل على الطاقة الشمسية.
إنه المخترع العبقري ابن محافظة طرطوس سليمان محمود - المعروف بسليمان الحايك نسبة لقريته رويسة الحايك في ريف صافيتا الجميل..
. ابن ٨٤ عاماً من العطاء الفكري المتواصل دون أن يلقى التكريم اللائق والاحتضان والاستثمار لاختراعاته وتبنيها والاستفادة منها من قبل الجهات المعنية وشركاتها الانتاجية، والذي لو تم ذلك الاستثمار لخبراته وابتكاراته لوفر على خزينة الدولة المليارات، وتم الاستغناء عن استيراد العديد من المعدات وحتى تصنيع السيارات في بلدنا، هذا المخترع الذي رفض العديد من العروض المغرية للعمل خارجاً مفضلاً البقاء في بلده..
(فينكس) زارت المخترع سليمان محمود في قريته رويسة الحايك وكان اللقاء التالي والذي بدأه بالحديث عن بداياته قائلا: منذ صغري كان عندي الفكر الصناعي، وقد ظهر حب التصنيع من خلال بدئي بتصنيع الطيارات الورقية، كما كنت أيضا أحب الاستطلاع والاكتشاف بنفسي، ورؤية الآلات والمعاصر كيف تعمل، حيث كنت أراقب عملها باهتمام ومتعة كبيرين، وخلال سنوات طفولتي وقبل وصولي للصف الخامس قمت بصناعة (هاتف صغير، جرس كهربائي، مبرقة مورس، وآلة حياكة صغيرة) باندفاع ذاتي مني، فأسرتي كانت تعمل بالزراعة، ولاعلاقة لها بالصناعة، ولم يكن لأحد منهم أي اهتمام بهذا المجال، واصفاً الاختراع بأنه موهبة من الله تخلق مع الانسان ولايورث ذلك الأمر.
وأضاف: ونتيجة لهذا الشغف تقدمت لدراسة الصناعة بعد نجاحي في الصف الخامس الابتدائي، والذي كان على أيامنا هو صف الشهادة الابتدائية، ولكن طلبي قد قوبل بالرفض، إذ كان القبول ليس كما في وقتنا الحالي على العلامات، بل كان بناء على المعرفة والدعم، فقلت في نفسي بعد نجاحي في الصف التاسع ونيلي الشهادة المتوسطة، سأتقدم من جديد، وليتكرر معي أمر رفض قبول طلبي لدراسة الصناعة.
مرة ثانية..
الرفض مرتين لم يجعلني في حالة يأس، بل زادني إصراراً وحماساً أنه ينبغي عليّ أن أقوم بإنجاز عمل يعبر عن فكر صناعي، فقمت و أنا في عمر الخامسة عشر عاماً بصنع ماكينة خياطة، وقد شاركت بها في معرض للأشغال والفنون أقيم في ثانوية صافيتا، أيام الوحدة بين سورية ومصر، حضره مدير التربية والتعليم، ومدير الدروس الصناعية في الثانوية الصناعية في اللاذقية، وكان مصري الجنسية، والذي أعجب باختراعي للماكينة، حيث قمت أمامه بخياطة قطعة قماش، ولما سألني عن سبب عدم تقديمي لمدرسة الصناعة، أخبرته عن رفض طلبي مرتين، فوعدني أنه في السنة المقبلة سأكون على رأس المقبولين، وبكرسي مجاني (مدرسة داخلية).
وتابع المخترع محمود حديث الذكريات قائلاً: وبالفعل تحقق كلام المدير، والتحقت بدراسة الصناعة بمدينة دمشق في الصف العاشر، حيث لم يكن يوجد في محافظة طرطوس مدرسة صناعية، فقط كان في اللاذقية وفي دمشق، وكان طلبي للالتحاق بمدرسة دمشق، وكنت أعتقد أن التحاقي بالدراسة الصناعية سوف ترضي طموحي بمعلومات ذات مستوى عال، لأكتشف خلال مدة وجيزة أن اطلاعي ومعرفتي بالكهرباء هو أكثر بكثير مما كان يعطى لنا في المدرسة الصناعية، لأقرر عندها عدم المتابعة في المدرسة، والتفرغ منذ ذاك الزمن للاختراع والتصميم والابتكار، والحمد لله قد انجزت العديد من الاختراعات، لأشارك بها في معارض (دمشق الدولي، والابداع والاختراع ومعرض الباسل) ونلت على مجمل مشاركاتي في دورات تلك المعارض جوائز ذهبية وشهادات تقدير.
- وحول التسهيلات والدعم الذي قدم له من قبل الجهات الرسمية وهل تم الطلب منه العمل لدى مؤسسات وشركات القطاع العام واستثمار اختراعاته والاستفادة منها في التصنيع لتلك المؤسسات؟
أجاب المخترع محمود: لم توجه لي أي دعوة من قبل تلك الجهات، رغم انني كنت على استعداد تام لوضع خبرتي واختراعاتي وابتكاراتي في خدمة القطاع العام، والتعاقد معهم، ولكن لم يزرني أحد من تلك الجهات، كما لم يبادروا بأي تكريم لي، سوى تكريمين الأول عام ٢٠١٠ من قبل محافظ طرطوس بساعة وبطانية، وفي عام ٢٠١٩ من قبل مديرية البيئة بمبلغ ٣٠ ألف ليرة، وفي عام ٢٠٢١ تم تكريمي بشهادة تقدير ومبلغ ٢٥ ألف ليرة.
وذكر أنه منذ سنوات زاره أمير من دولة الامارات في منزله، وأبدى اعجابه بالسيارة التي صنعها، حيث قال: عرض عليّ الذهاب لدولة الامارات وافتتاح مصنع للسيارات من تصميمي، ولكنني رفضت السفر رغم العرض المغري الذي قدمه لي، مفضلاً البقاء في بلدي، على أمل تقديم خبرتني لمن يطلبني من القطاع العام وشركاته، مكملا ماتبقى لي من عمر في بلدي الذي ولدت وترعرعت فيه و أعشق ترابه.
-وبالانتقال للحديث عن عدد من الاختراعات التي صنعها ولمحة عنها وعن فائدتها كانت البداية بالسؤال عن السيارة التي تعمل بالطاقة الشمسية فقال المخترع محمود: صممتها عام ١٩٨٣ وكانت تعمل بالكهرباء، الى أن زارني عام ٢٠٠٦ نائب رئيس مركز البحوث العلمية بدمشق، والذي أشاد كثيرا بتصميمي لها، لأخبره عن نيتي بتحويل السيارة لتعمل بالطاقة الشمسية، وعدم تمكني من الحصول على ألواح شمسية لتلك الغاية، فما كان منه إلا أن استجاب لطلبي، وتم تقديم الألواح الشمسية مجانا لي، ومنذ ذلك الوقت تسير سيارتي على الطاقة الشمسية، بسرعة ٦٥ كيلومترا في الساعة ، فيما تبلغ قوتها ٣، ١٠ حصان، أما جميع المكونات المستخدمة في تصميمها فهي مكونات محلية حتى محركها.
وأضاف المخترع محمود: إن أهمية السيارة تكمن في استغنائها عن المحروقات، فهي سيارة صديقة للبيئة، وحمولتها حوالي ٤٠٠ كيلو غرام، وهي سيارتي الخاصة التي أتنقل بها في أرجاء محافظتي.
درّاسة حبوب
ومن الاختراعات أيضاً درّاسة حبوب وعنها يقول: تمت صناعتها عام ١٩٦٤ ومنذ ذلك العام وحتى عام ١٩٩٢ أنجزت مئة وواحد درّاسة حبوب موزعة في كافة أنحاء القطر، وهي مصنوعة من الحديد وتعمل على (تراكتور)، وقد لاقت استحساناً من قبل الذين طلبوا مني تصميمها لهم، وهي تتميز عن الدرّاسة المتعارف عليها بأنها تلتقط الزرع من الأرض دون الحاجة لعامل ليقوم بهذه المهمة، يضاف لذلك أنها لاتحتاج لتغيير الغرابيل من طرف لآخر، وهي عديمة الاهتزاز، ثابتة في مكانها، كما أنها قليلة الصيانة، وقد حصلت من خلالها على براءة اختراع بعنوان (تحسينات جديدة لآلة الدرّاسة المعروفة) لمدة خمسة عشر عاماً من ايداع الطلب.
مكبس اوتوماتيكي لصناعة الغرابيل
أما المكبس الاتوماتيكي لصناعة الغرابيل فقمت باختراعه عام ١٩٨٦، يشتغل اكثر من ألف نوع من أنواع الثقوب، وكل نوع من الثقوب له برنامج خاص (خطوط الطول - البعد بين الثقب والآخر بالطول والعرض والحاشية) حيث بإمكاننا أن نضع ألف لوح فوق بعضهم، ونشغل الجهاز، وعلى الفور ينطبقوا على بعضهم حسب الثقب المطلوب وبدقة متناهية خلال عشرين دقيقة فقط.
وأفاد المخترع محمود: سابقاً عند صناعة غربال الدرّاسة كنا نعلّم بالقلم الطول والعرض وندقه بالسنبك العريض والرفيع، وقد كان يستغرق أسبوعاً كاملا، عدا عن الجهد العضلي، أما بمكبسي هذا، فنجد كل الفرق والتوفير للوقت والجهد والانجاز الكبير. كما أنه وخلال فترة الحصار الاقتصادي الذي تعرض له بلدنا في الثمانينات، قامت اكثر من عشرين شركة من شركات القطاع العام بإحضار مساطر من غرابيل لديها مهترئة، لأقوم بتصنيع غرابيل مثلها أذكر منها (شركة المطاحن - حبوب، معامل الاسمنت، شركة الطرق، مؤسسة الاسكان العسكرية) ولكن كانت الكميات التي كان يطلب مني تصميمها قليلة، وهذا كله حدث وقت الحصار آنذاك، ولكن بعد انتهائه لم يطلبني أحد من جهات وشركات القطاع العام للأسف، و أغلب من يطلبني منذ سنوات طويلة وحتى اليوم (تجار وقطاع خاص) فقط، أقوم بتلبية طلبياتهم في تصنيع الدرّاسات والغرابيل، بعد ان يرسلوا لي الحديد والصاج.
مشيراً الى أنه نال على اختراعه للمكبس الأوتوماتيكي كأس الرئيس عام ١٩٩٣ مع شهادة تقدير، إضافة لما لبراءة اختراع نالها في معرض شارك به.
ماكينة خياطة
ومن التصاميم والاختراعات أيضاً ماكينة خياطة أنجزتها عام ١٩٥٩، وهي مصنوعة من الحديد، ولكنها بتصميم يختلف عن بقية الماكينات، وقد كنت وقتها بعمر خمسة عشر عاماً، وسيارة تسير بالتحكم عن بعد، ويتابع قائلا: عام ١٩٧٣ اخترعت سيارة تسير بالتحكم عن بعد، وكانت قيمتها في ذلك الزمن أن التحكم عن بعد لم يكن معروفاً، والذي عرف فيما بعد بالثمانينات.
الإذاعة
وفكرة الاذاعة كما يحدثنا عنها المخترع محمود قائلاً: مأخوذة من مولد إشارة (بترانزيستور) واحد، يُسمع على بعد خمسة أمتار، لأقوم بعد ذلك بتطوير الفكرة على خمسة مراحل والتي آخرها على بعد دائرة قطرها ٢٠٠ كيلو متر، لتصبح اذاعة يصل مداها الى شرقي حمص، وكل ذلك بأدوات محلية، باستثناء الترانزستور فهو مستورد، وتتميز تلك الاذاعة بدقتها وصفاء بثها دون وجود أي تشويش.
جهاز راديو يعمل بلا كهرباء ودون بطارية
وعن جهاز الراديو الذي اخترعه ومبدأ عمله أفاد: نستخدم طاقة الموجة في تشغيله، حيث يقوم بالتقاط الموجة الاذاعية القادمة لنا من بقية الاذاعات، وقد قمت بتكبير الاشارة، وأقوم بمتابعة القنوات الاذاعية المختلفة وسماعها بواسطة سماعة أضعها على أذني، وهكذا دون الحاجة لكهرباء او بطارية.
وأخيراً
المخترع سليمان محمود أطال الله بعمره يستحق الاحتضان واستثمار خبراته واختراعاته لما فيه تحقيق المنفعة الكبرى لبلدنا الحبيب، والذي ماأحوجه لتلك العقول النابغة في هذه الظروف التي نعيشها جراء حصار اقتصادي قسري، فهل سيتم انصافه بعد عمر طويل من الانجازات، واحتضانه كنابغة يستحق التكريم والاستفادة منه كخبير عبقري؟!