رسالة إلى العلماني "العلَوي" المتطرّف
2025.04.18
أسعد صالح
يفهم ويعتقد بعض العلمانيين من أصول علوية أن العقل والعلم ضد الدين، وأن العلمانية حسب مفهومهم تمثّل قيم التقدّم والحضارة، والدين يمثّل التخلف والتقوقع، وهؤلاء العلمانيون بمعظمهم يتنكّرون لعلويّتهم ويعتبرونها أوهاماً وخرافاتٍ، ويقولون ما ذنبهم أنّهم وُلدوا علويين، مُبرّرين للآخرين وكأنّ العلوية تهمة، وبأقوالهم هذه يثبّتون هذه الفريضة الكاذبة التي هدفها التشويه.
لو قرأ هؤلاء نهج البلاغة الذي يتضمّن خطباً وكتباً ورسائل وحكم الإمام علي عليه السلام الذي اسم العلويين مُشتقّ منه من ناحية لغوية، ونهج العلويين يرجع إليه كذلك من ناحية عقائدية، لأدركوا أن كلام الإمام علي كان للإنسان أيّ إنسان، ولعرفوا أنّه كان يُمثّل الحاكم العادل والمُنصف، ولكن نظروا إلى الإمام علي على انّه شخصية دينية وعليه يجب الابتعاد عن كل ما هو ديني.
بعض هؤلاء العلمانيين كانوا يُردّد باستمرار مقولات المحبة والأخوة والمساواة والعدل قبل سقوط النظام، ومنهم كان معارضاً له، ومشى في ركاب الذين عزفوا معزوفات المشاركة السياسية وحقوق الإنسان والتآخي، ولكن عندما سقط النظام وجاء مَن بعده، أُبعدوا جميعاً وهُمّشوا وأُهينوا ومنهم من قُتِل وقُتل أقرباؤه، فقد كانوا يعيشون في وهم وضلال، وأثبتت الأحداث الأخيرة خطأهم حتى لا أقول نفاقهم.
أقول لهؤلاء العلمانيين العلويين بين قوسين: إنّ العلوية تجتمع عندها الثقافات والحضارات في مزيج رائع لو تعلمون، فالفلسفة اليونانية والحكمة الهندية والسياسة الفارسية، والآداب العربية والشريعة الموسوية والكتب الإنجيلية والعقائد الإسلامية والطرق الصوفية، استقى منها العلويون كثيراً من أفكارهم وصهروها في قالب واحد، وأخذوا ما وجدوه يُكمّل مذهبهم المبني بعقل منطقي ووحي إلهي، ونستطيع القول كانوا كالنحل أخذوا من كل الأزهار، فالحقّ كائن في كل الأمم والحضارات على مرّ التاريخ، وعليه كان مذهبهم روحي فلسفي، كوني، إنساني.
فالعلويون بينهم فلاسفة كبار وعلماء عِظام وشعراء وأدباء وحكماء عبر تاريخهم.
ولأكون مُنصفاً عندما ذاب الثلج وبان المرج، وعندما كُشفت الأقنعة وظهر القبح، أدرك بعض العلمانيين العلويين الحقيقة ووقفوا في وجه الظلم وارتفع صوتهم عالياً ضد كل مجزرة حصلت، على عكس البعض الذين ما زالوا يُردّدون مقولاتهم الفارغة من كلّ مضمون والبعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع الذي نعيشه يوميّاً.
وهؤلاء العلمانيّون المُتطرّفون حتى يقول الناس عنهم مُتحرّرين يتبرّأون من دينهم فكأنّهم لا يقدرون على التوفيق بين ما هو ديني وما هو دنيوي وذلك جهل، حتى بعضهم اتّجه إلى الإلحاد من شدّة غبائه وتطرّفه معاً.
وحتى لا يُقال عنهم طائفيون يسكتون عن كل انتهاكات وإبادة وظلم.
الحديث عن الطائفة والدين بشكل عام ليس حديثاً طائفياً ولا يعني أنّ من يتكلّم عن هذه الأمور هو شخص طائفيّ، فإذا كانت طائفة تُباد وتُقتل وتُسرق، فالوقوف معها هو موقف أخلاقي وإلهي وإنساني.
للأسف انحدرت سورية إلى القاع، فصارت الحواجز التابعة للسلطة الجديدة تسأل العابرين عن دينهم، هل أنت علوي؟ وصارت العقلية الإقصائية مُسيطرة على كل شيء فالموظفون العلويون يُطردون من وظائفهم، وطريقة التعامل هذه لا تُميّز بين علوي كان مُعارضاً للنظام السابق أو مُؤيداً، بما أنّك علوي فأنت مُتّهم.
وحتى لا يصطاد أحد ما في الماء العكر، فالعلويون كانوا وما زالوا مُسالمين، مُتسامحين، لا يُفرّقون بين طائفة وأخرى وبين مذهب وآخر، غايتهم إحقاق الحقّ، وإقامة العدل والمساواة، وعدم إقصاء وتهميش أي مُكوّن في سورية، ويدهم ممدودة لكلّ خير وسلام.
وقد يحتجّ أحدهم بأنّي أُصادر رأيهم وأقمع فكرهم، أقول له هم أحرار طالما فكرهم محصور بينهم، ولكن إن أثّرت أفكارهم على مستقبل طائفة بأكملها وعملت على تشويهها، عندها سنتكلّم بما نراه حقّاً حسب فهمنا وتصوّرنا، ولا ننسى بأنّ حرّية الأديان مكفولة بالشرائع الإلهية والقوانين الوضعيّة.
لو نظر الناس بحكمة وتعقّل وجعلوا الدين أمراً شخصياً وخاصّاً، والدنيا أمراً عامّاً، لعاشوا بعيداً عن التعصّب الديني والتكفير، ولساد الأمان والسلام.