كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

البعث بين مقهى الرشيد وفنادق الخمس نجوم

أحمد رفعت يوسف- فينكس

عندما كان مؤسسو حزب البعث، والرواد الأوائل منهم، يناقشون أوضاع سورية والأمة العربية، كانوا يلتقون في المقاهي، أو في بيوتهم أحياناً، وهذه الأماكن، اختصرت في أدبيات حزب البعث، وتاريخ سورية، بمقهى الرشيد، الذي شهد الاجتماع التأسيسي للحزب.
كانوا يأتون إلى اللقاءات والاجتماعات، من الجامعات والمدارس والحقول والمصانع، لذلك كانوا يعرفون أرواح الأماكن، ونبضات قلوب أهلها، فكانوا يعرفون، كيف يجسدون أحلامهم، ويجيدون التحدث باسمهم.. وقالوا نحن نمثل العمال، والفلاحين، وصغار الكسبة، الذين يشكلون العدد الأكبر من الشعب.
كانوا من النخبة النابضة، في كل شرائح المجتمع، وكانت ثقافتهم عالية، وأحلامهم كبيرة، وأياديهم بيضاء ونظيفة، وكان همهم كيف يبنون سورية، وكيف يحققون الوحدة العربية، ويبعثون مجد الأمة، ويعيدوا نهضتها، انطلاقاً من قلبها النابض في دمشق.
اليوم أخبرني أحد "الرفاق" الفائزين في الانتخابات التمهيدية لمؤتمر الحزب، بأن الكثير من "الرفاق" الطامحين، إلى المراتب الأعلى في قيادة الحزب، يقومون بحملاتهم الانتخابية، ويستقبلون ضيوفهم لهذه الحملة، في فنادق خمس نجوم، وفي المطاعم الفاخرة.
بالتأكيد ندرك أن الزمن تغير، وظروف الحياة تغيرت، لكن مهما كان هذا التغير في الشكل، وفي الأدوات، فعندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن والشعب، وخاصة الشرائح التي يقول البعث إنه يمثلها، ويحكم باسمها، فيجب أن يبقى الجوهر موجوداً، وأن تبقى الأهداف الكبرى حاضرة، ولا يوجد مشكلة في المكان، وإنما في النبضات التي يحملها "الرفاق"، هل هي تمثل نبضات الأماكن التي جاؤوا منها، أم نبضات الفنادق والمطاعم التي يلتقون فيها.
وهذا يثير تساؤلاً مشروعاً، هل "رفاق" اليوم، وخاصة من تم انتخابهم إلى مؤتمر الحزب، ومن يطمحون إلى المناصب القيادية في الحزب، يشبهون رواد مقهى الرشيد.
أعتقد ويكل حزن وأسف، أن "رفاق" اليوم، يشبهون أي شيء، إلا "رفاق" الأمس.. وأن هموم وأهداف رواد الفنادق، تشيه أي شيء، إلا ما كان يشكل هموم وأهداف رواد مقهى الرشيد، رغم أن الحزب واحد، والأهداف واحدة.
والكارثة الكبرى اليوم، تكمن في أن "الرفاق" سيأتون إلى المؤتمر، من مكاتبهم الفارهة، ومن فنادق الخمس نجوم، مع أحلام بالمناصب، الأكثر سلطة ونفوذاً، فيما كل الشرائح التي يقول البعث انه يمثلها، يئنون من الفقر والجوع، وأن كراماتهم مهانة، ومشاعرهم الإنسانية في الحضيض، ويعيشون حياة تلامس حد الذل.
أما الكارثة الأكبر، فهي في أن سورية اليوم، تشبه أي شيء، إلا سورية التي أرادها وحلم بها، رواد مقهى الرشيد.
فحلمنا اليوم، أصيح وحدة سورية، وليس الوحدة العربية، التي أصبح مجرد ذكرها، يستفز جمهور البعث، قبل غيره، والحرية حدث ولا حرج، والاشتراكية لم تمت فقط، وإنما تعفنت جثتها، ونتنت رائحتها.
وما يبكي أكثر، أن الأرض، حيث الفلاح، الذي يشكل أحد الأركان الأساسية للبعث، تزحف إليها الصحراء، وتموت فيها المواسم، ونكاد نفقد حتى القمح والقطن، ونحن كنا رواد بها على مستوى العالم، والفلاحون يقتلعون أشجار الحمضيات، لأنها ثمارها أصبحت تموت على الأشجار، والبعض من الفلاحين، أصبح يفضل أن تبقى أرضه بوراً، على أن يزرعها مواسم، يعرف أنها ستكون خاسرة، والمصانع أصبحت، إما مدمرة أو مهاجرة، ومن غامر بالبقاء، يعاني الأمرين، والتعليم في الجامعات والمدارس، يدمي القلوب، وهذا ما ينطبق على كل نواحي الحياة، وشرائح المجتمع، التي يفترض أنها تشكل جمهور البعث.
هذا يقودنا إلى سؤال كبير ومهم "هل هناك أمل"؟
بالتأكيد من قلوبنا نتمنى، لو يستطيع "رفاق" المكاتب والفنادق، الذين سيلتقون في مؤتمرهم، أن يعيدوا ولو جزءاً بسيطاً، من روح مقهى الرشيد..
ومع معرفتنا، بالنوايا الطيبة، لدى الكثير منهم، لكن الشك يراودنا.. لأن الأهداف مختلفة، وأدوات التغيير معدومة، والفرق كبير، والأمر يشبه المعجزة، في زمن لم يعد فيه معجزات.
ومع ذلك سننتظر، وكلنا أمل.. لعل قبس، من روح مقهى الرشيد، ينبثق من مؤتمر البعث القادم.
ملاحظة من فينكس: مقهى الرشيد الصيفي، بات مكانه المركز الثقافي الروسي الحالي في شارع 29 أيار بدمشق، والأخير تم بناؤه عقب حرب حزيران 1967، إذ تم تخريب المركز الثقافي السوفييتي القديم إبان حرب الأيام الخمسة، من خلال قذيفة للعدو، وفق ماروى الأديب السوري الراحل عادل أبو شنب للزميل أُبي حسن.