كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

إدارة الأزمة

محمد سلمان ابراهيم- فينكس:

يكثر الحديث عن إدارة الأزمة المعيشية وليس حل أسبابها، كمن يسعى إلى تعديل ظل الشجرة بدلاً من تقويم الشجرة.
يكثر الكلام عن اتفاقيات زراعية بين دول إقليمية هي سورية ولبنان والاردن والعراق، في حين ساهمت الدول الثلاث بشكل مباشر وغير مباشر في تفعيل الأزمة السورية، بل ساهمت في سفك الدم السوري في وقت من الاوقات، ومحاولة الفصل بين الدولة السورية وقيادتها وبين الشارع السوري.
والآن بعد عدم سقوط السورية وتغيير الأوضاع الإقليمية والدولية.. تسعى أطراف دولية بحجة الأوضاع الصعبة وما تركه الزلزال الأخير من مآسي الظهور بالتضامن مع سورية حكومة وشعباً.
ما يدور في أروقة دولية وإقليمية هدفه وضع اليد على ما بقي من مقومات المجتمع السوري، إنها حلقة ضغط جديدة على المستهلك السوري الذي يعاني من ضعف دخل غير مسبوق، بالاتجاه نحو تكامل زراعي سوري اردني لبناني وعراقي هدفه المعلن التنسيق والتكامل الزراعي بين الدول الاربعة، أما هدفه الرئيسي غير المعلن فهو السيطرة على منابع الإنتاج الغذائي السوري الزراعي والحيواني.
فأين كانت هذه الدول وغيرها بهيئاتها الرسمية منذ بداية الأزمة في سورية منذ عام ٢٠١١ حتى عام ٢٠٢١؟!
ما يكثر الحديث عنه من تنسيق زراعي يخدم مصالح الدول الثلاث أكثر من سورية، بل يساهم في زيادة الضغوط على المستهلك السوري، فالواقع المعيشي في سورية قاسٍ جداً، ولا يمكن مقارنته مع مستوى المعيشة في الاردن أو العراق أو حتى لبنان بالرغم من أزمة العملة اللبنانية، ولا يمكن مقارنة دخل المستهلك السوري مع دخل المستهلك في الدول الثلاث، وإذا كان المستهلك في الاردن والعراق ولبنان قادراً على تأمين حاجاته بما يوازي دخله، فالمستهلك السوري عاجز عن شراء حاجاته بسعر مرتفع مقارنة مع دخله، خاصة أن توحيد السياسات الزراعية بين الدول الاربعة ستجعل سعر المنتج الغذائي شبه موحّد بين هذه الدول، فهل بإمكان المستهلك السوري شراء حاجاته بسعر يناسب دخل المستهلك في الاردن والعراق ولبنان؟!
ما يحدث استكمال ربط حلقات اقتصادية اجتماعية إقليمية لزيادة الضغوط على السوريين الأضعف دخلاً بين الدول الأربعة، وبقاء مقومات زراعية سورية معطلة عن سابق ترصد وتصميم. والغريب في الأمر سعي منظمات إقليمية ودولية حكومية وغير حكومية لتنشيط هكذا سياسات! فهل ندرك أهداف وخلفيات تلك المنظمات؟!
والأغرب من ذلك السماح للتجّار بوضع أيديهم على ينابيع إنتاجية من اجل إيقافها واستيراد بدائل وزيادة هدر عملات صعبة، بالتالي السماح بزيادة الضغوط على المستهلك!
كل ذلك في وقت تتسابق شركات إقليمية وعالمية متعددة الجنسيات للسيطرة على منابع الإنتاج الغذائي واستثماره كسلاح أخضر، والادعاء بتقديم عروض والضغط على جهات دولية لرفع الحصار عن سورية، والحجج متنوعة من مكافحة تغيّر المناخ إلى الايحاء بإدارة الموارد المائية ومكافحة التهريب والضغط على التحّار لضبط الاسعار والتقارب من سورية حكومة وشعباً.
إنّ الضغط الأكبر سيكون على المستهلك السوري الذي يرزح تحت ضغوط غير مسبوقة، من أجل شد الحلقة ما قبل الأخيرة على عنقه ليس غذائياً فقط، بل حتى قطع مقومات العيش الكريم وحتى قطع الأوكسجين عنه كونه وقف إلى جانب بلاده ودافع عن دولته ولم يبخل بالشهداء والجرحى والمعوقين والمفقودين، وصولاً إلى واقع يدفع السوري للقيام بمظاهرات واضطرابات ضد دولته وتغيير ثقافته وفكره وسلوكه تجاه وطنه، واتهام دولته بأسباب ما حصل ويحصل في الشارع السوري.
ينبغي التدقيق في هكذا سياسات في مرحلة لا يمكن التأجيل أو التجريب، فالواقع مرير يحتاج حلول شديدة السرعة، ولا يمكن إيهام الناس ان الحلول قادمة.
فما حدث من متغيرات وضغوط جعلت المستهلك ترمومتر حساس يستشعر ما هو قادم، المستهلك يعلم أن ما فات من الأزمة وصغوطها بروفة لما هو قادم، كما يعلم أنه مازال في الدقائق الخمس الأولى من ساعة الأزمة اقتصادياً واجتماعياً.