كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هل يتعظّ الموسرون..؟

هني الحمدان- فينكس:

صحيح أن الزلزال ترك آثاراً سلبية، لسنا بوارد تعدادها هنا، لكنّه أظهر كم يحق لنا الافتخار بأن المواطن السوري يملك مزايا خاصة من الحبّ والإخلاص والتفاني لبلده وأبناء وطنه، ما يؤهله للريادة في هذا الشأن.
هؤلاء هم السوريون، هذه سماتهم وهذا إرثهم الدفين، حبّهم لوطنهم ولبعضهم فاق أي تصورات، بمحبتهم وعفويتهم كانوا يواسون بعضهم ويمدون أيادي الحنان والخير لمن عانى ولحقه الضرر، لم ينتظروا طلباً أو توسّلاً أو قراراً، سجلوا بصمات ربما عجزت عنها إدارات ومؤسسات. ما حصل يثلج الصدور ويبنى عليه مستقبل.
اليوم كلنا يعي صعوبة الوضع المعيشي والاقتصادي في سورية ومعاناتها من تبعات أزمة اقتصادية خانقة، فهل سنبقى مكتوفي الأيدي أم نبحث عن حلول؟
والسؤال ليس للأفراد والشرائح المجتمعية الأخرى بل للمؤسسات الرسمية ومن بيده القرار. الجميع يريد حلاً سريعاً، حلمهم أن يروا بوادر أمل ليوم جديد يحمل معه البشرى، لعله يخفف صعوبات عيشهم، و المقصود هنا ليس تنفيذ مشروعات كبرى أو استخراج موارد واستقطاب استثمارات ضخمة من الخارج، ولا فرض المزيد من الضرائب وسنّ قرارات كلها تلحق الأذى بالمواطن وتزيد من معاناته بؤساً وفقراً، ونغمض أعيننا ونستسلم لسيمفونية رفع الأسعار المتوالية!
وهنا ما هو الطريق و ما هو الأسلوب الذي قد يقودنا أو يهدينا كيف نتصرّف...؟ لدينا وصفة مجربة وسريعة أثبتت جدواها ودلّت على جوهر ومعدن المواطن السوري، رغم تحمله لكل الظروف. رأينا كيف بادر السوريون البسطاء المعدمون و"المعثّرون" لاقتسام لقمة الخبز بينهم، لتقديم ما يلبسون للمحتاجين، تبرعوا بما يملكون نجدة لإخوتهم وللتخفيف من المصاب الجلل، بعد أن كشف العالم المتحضر عن عورته وما كان خافياً من إنسانية زائفة مفقودة.
وهنا لماذا لا تبادر الحكومة مثلاً مع أصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات، وحتى مع السوريين الذين غادروا البلد، عبر تقديم تسهيلات لهم وضمان كل ما يلزم تحت سقف القانون؟ لماذا لا نرى حلقات حوار وتشبيك مكتملة الجوانب مع أصحاب الملاءات المالية والموسرين، وما أكثرهم...؟!
هؤلاء من الممكن أنهم بحاجة إلى خلق أرضية حوارية للتفكير بماذا سيقدمون من أنشطة تدرّ ربحاً وإنتاجاً سريعاً يحلحل من وضع الاقتصاد المتعثر. لتجرّب الحكومة وتتنازل من برجها العاجي، خير لها من التفتيش في بعض المطارح لتصدر قرارات تجبي أموالاً من رقاب المواطنين المعدمين. لتغري أصحاب الأموال وتعقد معهم الصفقات، و لو في ظل تسهيلات ومزايا تحفيزية أكبر، أو تقوم بتسويات مالية لمن يعاني من الضرائب أو عليه عقوبات مالية مثلاً، تسوية عادلة مع أصحاب المليارات لمن يقدم مشروعاً أو أي رافد للخزينة، التخفيف من ضرائبه دون الدخول في طوابق المحاسبة والمساءلة التي لن تجدي نفعاً، وكل ما عليه من تبعات مالية سابقة وتسويات خلقت لديه مانعاً من ضخ العمولة من جديد في مشاريع تنموية أو خدمية سريعة المردود والنفع، و لا ضير أن تبادر الدوائر الرقابية المختصة لجرد حساباتها وتبيان إمكانية إيجاد مخارج حلول للدفع بالواقع بحالات كهذه من المبادرة للعمل والتشبيك لما فيه فائدة اقتصادية عامة.
كلنا يتأمل أن يبادر أثرياء المال بدافع وطني لمساعدة بلدهم في تجاوز محنته وفاجعته وتعثّر اقتصاده، وأن ينهض "الواقفون" لبناء مشاريع وضخ رؤوس أموالهم عبر أنشطة تنموية، وتقديم ما يلزم من خدمات لإخوتهم المحتاجين، فإلى متى يبقى بعض الموسرين بموقع المتفرج وهم يملكون من الأموال الشيء الكثير؟ الأمر الذي يسهم في تغيير المعادلة نوعاً ما و في حال تم التشبيك عبر كيانات إنتاجية تشرف عليها الحكومة، وتضمن الميزات والحقوق، بعيداً عن شريحة المستنفعين والفاسدين الذين نهبوا، وأثروا على حساب المال العام، مال الناس، هؤلاء لا بد من محاسبتهم واسترداد ما سرقوه، مع كبح حقيقي لموارد الفساد بأنواعه...!
الواقع، ليس فقط بعد الزلزال، واقع صعب، ويحتاج إلى استنهاض ضمائر بعض من يملكون ولا يصرفون أو يتبرّعون، ولا يقدمون على تشغيل أموالهم، وفي حال تشغيل أموالهم واستقطاب رؤوس الأموال التي هاجرت من جديد، فذلك كفيل بملء الخزينة، وربما إعادة العافية للاقتصاد، ولكن السؤال الأهم: من يتحرك لفعل ذلك؟ ومن يقنع الموسرين أن بلدهم يحتاج إلى حقّه من أموالهم التي كدسوها في البنوك..؟ والغريب أن بعض من يمتلكون المال نراهم اليوم يتشاطرون بطرح أفكار ومواعظ إعلامية في وقت لم يعلمونا أنهم قاموا بتشغيل وضخ أموالهم عبر قنوات إنتاجية..!
الإجابة سهلة جداً، هؤلاء قوم الأثرياء، فقراء النفس بخلاء على أنفسهم، فكيف المآل لاستنهاض ضمائرهم...؟! ليتعظوا مما سطره الفقراء و المحتاجون إزاء بعضهم بعضاً.