كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

واشنطن و"قسد" و"الركبان" محاولة جديدة لوأد الحلّ

أحمد حسن- فينكس:

على ما يبدو فإن المبعوث الأميركي في مناطق شمال وشرق سورية، نيكولاس غرينجر، قرر قضاء الشتاء هناك بحجة أن بلاده ستطرح "مشروعا متكاملاً للمنطقة بعد أن تتفق مع تركيا على صيغة محدّدة"، وهو ما يعني على المستوى العملي تسعير سباق مع دمشق، على قرار، وتوجّه، السوريين الذين لديهم ملاحظات ما على أداء "الإدارة الذاتية القسدية" هناك، وسباق آخر مع موسكو على التوجّه التركي العام.
هنا نفهم، عملياً، إعلان "قسد" منع التجول في الرقة مؤخراً وقيامها بحملات أمنية متتابعة -بغض النظر عن اندراج ذلك ضمن مشروعها الانفصالي- كخطوة أخرى من خطوات السعي الأميركي لتثبيت أقدامها في المحافظة بعد نحو ثلاث سنوات من الانكفاء عنها.
فواشنطن التي تتابع بدقة تحرّكاتها لترميم "البيت الداخلي" في مناطق سيطرة "قسد" عبر توسيع حضور المكوّن العربي فيه –إعادة إحياء فصيل "لواء ثوار الرقة" مثلاً- وهو ما يرضي أنقرة أيضاً، تطمح من وراء ذلك إلى الإبقاء على مشروع "الإدارة الذاتية" حيّاً ومنع تفكّكه باعتباره الركيزة الفضلى لها، وبوابتها الرئيسية لإبقاء أوراقها فاعلة في "الملف السوري"، ليس من أجل القضية السورية فقط -وتفتيت سورية أمر هام من أجل المشروع الصهيوني في المنطقة- بل لاستخدامها أيضاً كورقة ضغط على كل من موسكو وأنقرة في سياق الصراع الاستراتيجي على مستوى العالم.
وبالطبع فإن الخطوات الأمريكية للإمساك بسورية لا تتوقف على شمال شرقها، فقد بدأت مؤخراً بالتشارك مع بريطانيا محاولة -لا زالت خجولة حتى الآن- لاستنساخ "الذاتية" وتجربتها في مخيم "الركبان"، ولكن هذه المرة بواجهة عربية، عشائرية، خالصة، بهدف السيطرة الكاملة على طريق دمشق – بغداد الدولية، بما تعنيه سياسياً وعسكرياً في الكباش الأمريكي -الإيراني، واقتصادياً في إكمال الطوق الخانق على سورية باعتبار أن السوق العراقية "تُعدّ من أكبر الأسواق القريبة لتصريف منتَجات دمشق"، وهذا أمر إن تحقق فسيكون موازياً ومسانداً لعمليات تعطيل هذا الطريق التي تمارسها اليوم الطائرات الإسرائيلية -مع كلّ خطوة اقتصادية وتجارية بين سورية والعراق- بحماية أمريكية كاملة ودعم معلوماتي واستخباري انطلاقاً من القواعد الأميركية في التنف وريف دير الزور الشرقي.
بهذا المعنى يمكن فهم الدور الذي يقوم به مخيم "الركبان" وفصيل "قسد" في هذه المرحلة لصالح المحتّل الأمريكي، ولذلك تسير كل اجتماعات "حوار" هذه الأخيرة مع دمشق في طريق الفشل، لأن رهانها الحقيقي هو استغلال الوضع الذي تمر به سورية اليوم لتحقيق مشروعها الانفصالي برعاية أمريكية تتوخّى أيضاً مصالح إقليمية ودولية عبر المأساة السورية، وذلك أمر لا يمكن "تجاوزه" إلّا حين تصبح "أكلاف" المحتّل، وأدواته، أكبر من العائدات المتوخّاة.
بيد أن دون القيام بهذا الأمر، أي رفع أكلاف الاحتلال، والانفصال أيضاً، ما يماثل "خرق القتاد" في ظل المعادلات وموازين القوى الدولية الحالية إلّا عن طريق واحد ووحيد وهو "المقاومة الشعبية"، وتلك قصة أخرى لأنها تحتاج إلى مقوّمات سياسية واجتماعية وشعبية محدّدة، أهمها فهم المعنيين بالأمر أن هذه المرحلة هي مرحلة سباق على السوريين وقرارهم هناك، وأن واشنطن تستخدم ورقة الاقتصاد والخدمات.. وما إلى ذلك، وبالتالي فإن المواجهة لا يجب أن تستند فقط على "الحسّ" الشعبي ومطوّلات بلاغية عن رفض الاحتلال ..وما إلى ذلك، بل بالمسارعة أولاً إلى بناء نموذج وطني جامع وجاذب في الآن ذاته، ثم يأتي ثانياً وثالثاً.. وتلك هي المسألة.