كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المسار المحلي للتنمية

د. لمياء عاصي- فينكس 

مع قرب انتخابات الإدارة المحلية، التي يرجو الناس أن تكون خطوة باتجاه التنمية المستدامة والتعافي الاقتصادي، للخروج المتدرج من عنق الزجاجة، فهل هي فعلاً كذلك؟ وماهي ممكنات الإدارة المحلية لتحقيق التنمية والنهوض الاقتصادي؟

أثبتت تجارب معظم الدول المتقدمة والنامية، أن الإدارة المحلية يمكن أن تلعب دوراً هاماً في تحفيز وتحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال توسيع قاعدة المشاركة في صنع واتخاذ القرار الإداري والخدمي والاقتصادي بجوانبه المتعددة،  نشاهد في معظم تلك الدول تفويضاًً للمجالس البلدية، باتخاذ الكثير من القرارات الاقتصادية والتنموية، مثل، منح التراخيص اللازمة لإنشاء المشاريع الاستثمارية والإنتاجية والحرفية، بينما تركّز الوزارات والمؤسسات المركزية على رسم الاستراتيجيات والخرائط الاستثمارية والإشراف على تنفيذها، بمشاركة فعالة من المجالس المحلية.

تاريخياً في سورية، تم الاعتماد على المجالس البلدية والبلديات لتنفيذ الخدمات في المجتمعات المحلية من شق الشوارع وصيانتها ومنح رخص البناء والإشراف على سلامة الأبنية وغيرها، ولكن تلك المجالس بمختلف مستوياتها مع غياب دور تنموي ملحوظ، برغم أن البعد الاقتصادي شكّل محوراً مهماً في قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، إذ نصت المادة 34 من القانون على:

"لمجلس المحافظة إقرار تمويل مشاريع استثمارية تنموية ذات مردود بما لا يتجاوز 25 بالمئة من الموازنة المستقلة لصالح المحافظة، وتعد هذه المادة معدلة لأوجه إنفاق الموازنة المستقلة الواردة بالقانون رقم 35 لعام 2007."، كما أنه لم تقم تلك المجالس بالسماح بعقد اتفاقات شراكة مع المنظمات الأهلية كما نصت المادة 33، أو بالتعاقد مع بيوت الخبرة المحلية والدولية لوضع رؤية تنموية مستقبلية اقتصادية واجتماعية وخدمية للمحافظة.

إن تشجيع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، يوجب أهم الأدوار الاقتصادية للمجالس المحلية، سواء الإشراف على حاضنات أعمال أو منح التسهيلات اللوجستية والمشورة الفنية لتلك المشاريع الصغيرة في مرحلة التأسيس، أو المساعدة في تأمين التمويل لها و ايجاد الأسواق المناسبة لمنتجاتها، مثلاً: سكان بلدة "المراح"، التي اشتهرت بزراعة الوردة الشامية، قالوا إنهم بحاجة ماسة لجهاز تقطير لاستخلاص الزيت العطري للوردة الشامية، وهو جهاز غالي الثمن لا يستطيع أحد اقتناءه، كما عبّروا عن ضرورة مساعدتهم على تصريف انتاجهم وربطهم مع مصنعي العطور، وبما أنهم لا يتقنون الأعمال المتممة للإنتاج فإنهم يعانون من تحديات كبيرة، تخفّض المردود الإنتاجي لزراعة الوردة الشامية.

لكي تقوم المجالس المحلية المنتخبة بالدور المناط بها، وخصوصاً في المجال الاقتصادي و التنموي والمساهمة في تطوير المجتمعات المحلية، يجب العمل وإعادة النظر في النقاط التالية:

  • لا بد من توسيع صلاحيات تلك المجالس، بشكل يمكنها من اتخاذ القرارات والعمل على تطوير مناطقهم من النواحي الاقتصادية والخدمية.
  • تطوير مصادر تمويل الموازنات الداعمة لعمل المجالس المحلية، وهذا يستلزم إعادة النظر بمفردات هذه الموازنات، و لا يوجد ما يشير الى نصيب تلك المناطق في ثرواتها الباطنية و لو بنسبة ضئيلة، و هذا يحد من قدرة المجالس المحلية على الانخراط في كل الأعمال لتطوير المنطقة واستثمار مواردها الطبيعية أو البشرية، مثل استصلاح الأراضي أو إقامة مشاريع الري أو إيصال الكهرباء أو المساعدة في تأمين البذار والأعلاف والأسمدة وغيرها.
  • يجب أن يقوم عمل تلك المجالس على أساسيات الحوكمة، وهي: الشفافية والمساءلة وتحمل المسؤولية والمشاركة والعدالة، مثلاً: يجب أن يستطيع من شاء من المواطنين، أن يحضر جلسات المجالس البلدية حين مناقشة مسألة شأن عام في المنطقة، أو إعطاء الموافقة على مشاريع استثمارية، كنوع من إرساء الشفافية التي تمنح الناس المزيد من الثقة بعمل تلك المجالس، لعل ذلك، يجعل الناس تتوقف عن سماع أخبار حل مجالس محلية معينة نتيجة خلافات واتهامات بالفساد.
  • التمكين وبناء القدرات، أحد أهم العوامل المساعدة على قيام المجالس المحلية بعملها، هو مثل تعريفهم بالقوانين التي ستحكم عملهم وتريبهم على بعض المهارات بما يخص عملهم، كما أن ارتباط المجلس ببيوت خبرة قانونية واقتصادية، يمكن أن يكون له انعكاس إيجابي على المجتمعات المحلية.
  • تطوير مؤشرات أداء، ترصد عمل تلك المجالس وتقوم بتقييمها حسب معايير، يمكن تحويلها لمؤشرات كمية وتكون مسؤولة عنها جهة محايدة.

أخيراً، إن رسم حدود الأدوار والصلاحيات لكل من المجالس المحلية والجهات المركزية بشكل واضح، لا مجال فيه للتداخل أو التشابك أو التكرار أكثر من ضروري، لأن الضبابية في الأدوار والمهام، يجعل الكثير من الاجتماعات والجهود مجرد تكرار بغير جدوى، مثلاً: المحافظات تقوم بتسعير السلع المواد الاستهلاكية، ووزارة التجارة الداخلية تقوم أيضا بالتسعير، فما هي الجدوى أو الفائدة من التكرار؟! إذا بقيت الحدود متشابكة وغير واضحة للأدوار المحلية، سيقتصر عملها على الممارسات المعتادة، والانتخابات الجديدة لن تأتي بأي جديد.