كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ليس كل قلم إعلامي..!

يونس خلف- فينكس

بلا مقدمات نبدأ بمقولة ربما تختصر حكاية الفلتان الإعلامي الذي صار على كل لسان، والمقولة باختصار هي: (كل إعلامي حقيقي قلم، وليس كل قلم إعلامي).
الإعلامي الحقيقي من يكتب بقلمه، ويذهب للبحث عن الخبر من مصدره ويتلمس احتياجات الناس وينقلها ويتابعها بمصداقية ومهنية عالية.
ولأن الإعلام سلاح ذو حدين كما يقال، فإن الإعلامي هو القلم، والقلم هو لسان ونبض الإعلامي، وقـد شبَّه المختصون القلم بالشمس له ضياء، وبالقمر له نوراً وبالسيف له حداً، وبالإنسان له شرف.
فهل يستحق كل من يقدم نفسه أنه إعلامي لقب إعلامي؟
هل لديه مؤهل يخوله لهذا المجال؟ وهل لديه من الخبرة ما تجعله يستحق هذا اللقب؟ كذلك بالنسبة للجهة التي ينتمي إليها هل هي جهة إعلامية فعلية لها مرجعية؟ وهل كل من امتلك جوال وصور ونشر صار صحفياً؟
قيمة الإعلامي الحقيقي تكمن في قول الحق، ولو كان على حساب مصلحته، لأن الإعلام رسالة ومبدأ وموقف، ولأن لمهنة الصحافة خصوصية كبيرة تختلف عن باقي المهن الأخرى كونها تخاطب العقول بمختلف مستوياتها، إضافة لما تشكله الصحافة من خطورة على المجتمع عند ابتعاد من يمارسها عن أخلاقيات المهنة الصحفية والواجبات المهمة والكبيرة المناطة، لذلك للصحفي الحقيقي مسطرة كبيرة من القيود الأخلاقية و المعرفية يحيط بها نفسه ويطبقها تحت الرقابة الذاتية، ولذلك أيضاً يتم التفاضل بينه وبين غيره انطلاقاً من الالتزام بتلك القواعد و الشروط، وهذا ما يعطي قيمة خاصة و تأثيراً كبيراً لكتابات بعض الصحفيين عن غيرهم، لكن حقيقة الأمر أن فوضى الممارسة الإعلامية حولت العمل الإعلامي إلى حقل للاستنساخ غير المشروع، كما أن الابتزاز والتشهير من أجل الكسب والربح أفقد هذا الصنف من مصداقيته واستقلاليته ونزاهته لا سيما بعد دخول شبكات وسائل التواصل الاجتماعي على الخط، حيث تغير المشهد كلياً، وأصبح كل شخص يمتلك موبايل ووصلة للأنترنت حاملاً و موزعاً للمعلومات و يمكنه نقل كل ما يشاهده وتقديمه مباشرة للجمهور الذي تعددت الخيارات أمامه، و أصبح يشاهد ويسمع كل شيء مباشرة و بتقنيات عالية. كما أصبح صاحب الهاتف يعتبر نفسه صحفياً دون أن يتقيد بأخلاقيات المهنة و دون أن يطلع على الضوابط المهنية لتقديم ما ينشره، بل إنه لا يخضع لأي رقابة لا ذاتية ولا اجتماعية. من هنا تأتي أهمية الالتزام بأخلاقيات مهنة الصحافة و مراعاة القيم الإنسانية والأخلاقية، لأن الإعلام مهنة ورسالة سامية ومسؤولية أخلاقية و وطنية وأمانة.
ولاحظوا هذه المفارقة في المشهد الإعلامي مقارنة بأي نقابة أو مهنة أو وظيفة.. فالطبيب لا يستطيع ممارسة المهنة إلّا عن طريق نقابة الأطباء.. والمحامي عن طريق نقابته حصراً، وكذلك المهندس والفنان وو.. إلّا الصحافة فقد أصبحت شغلاً لمن لا شغل له ودون رقيب وحسيب.
لا بل أكثر من ذلك بعض المسؤولين، ومنهم وزراء يهتمون ويتجاوبون مع صفحات فيسبوك يديرها أشخاص لا علاقة لهم بالصحافة أكثر بكثير مما تنشره صحف رسمية.
السؤال المشروع هنا: من المسؤول عن عدم تنظيم وضبط العمل الإعلامي؟ ولماذا وكيف نجد في المناسبات والمؤتمرات والاجتماعات جيشاً من هؤلاء الذين لا ينتمون لمؤسسة إعلامية رسمية ولا يعملون في مؤسسة أو وسيلة إعلام مرخصة؟ وقبل ذلك كله ليس لهم أي اسم أو رقم في اتحاد الصحفيين.
أعرف أن ثمة من سيسأل ويقول أين اتحاد الصحفيين وأين وزارة الإعلام؟ لكن بالمنطق والتحليل لا يستطيع أحد أن يسقف السماء ويمنع كل من يريد أن ينشر في وسائل التواصل، لكن نستطيع أن نحصر تعاملنا مع الصحفيين ونهتم بهم ولا نعطي أدوارهم و أماكنهم لغيرهم ونعزز الثقة بقدراتهم وحرصهم على نقل الواقع على حقيقته.. عند ذلك لن نترك الفراغ لغيرهم كي يأتي ويستثمره كما يريد ويشتهي.